أهل الله إذا أدرج نور عقله في نور إيمانه صوب رأى المنزهة إذ ما تعدت ما كشفته لهم أنوارها وصوب رأى المشبهة إذ ما تعدت ظاهر ما أعطاها نور إيمانها بما ضرب الله لها من المثل فعرفه الكامل عقلا وإيمانا فحاز درجة الكمال كما حاز الخيال درجة الحس والمعنى فلطف المحسوس وكثف المعنى فكان له الاقتدار التام ولذلك قال يعقوب لابنه لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا لما علم من علمهم بتأويل ما مثل الحق له في رؤياه إذ ما كان ما رآه وما مثل له إلا عين إخوته وأبويه فأنشأ الخيال صور الأخوة كواكب وصور الأبوين شمسا وقمرا وكلهم لحم ودم وعروق وأعصاب فانظر هذه النقلة من عالم السفل إلى عالم الأفلاك ومن ظلمة هذا الهيكل إلى نور هذا الكوكب فقد لطف الكثيف ثم عمد إلى مرتبة التقدم وعلو المنزلة والمعاني المجردة فكساها صورة السجود المحسوس فكثف لطيفها والرؤيا واحدة فلو لا قوة هذه الحضرة ما جرى ما جرى ولولا أنها في الوسط ما حكمت على الطرفين فإن الوسط حاكم على الطرفين لأنه حد لهما كما إن الآن عين الماضي والمستقبل كما إن الإنسان الكامل جعل الله رتبته وسطا بين كينونته مستويا على عرشه وبين كينونته في قلبه الذي وسعه فله نظر إليه في قلبه فيرى أنه نقطة الدائرة وله نظر إليه في استواءه على عرشه فيرى أنه محيط الدائرة فهو بكل شئ محيط فلا يظهر خط من النقطة إلا ونهايته إلى المحيط ولا يظهر خط من المحيط من داخله إلا ونهايته إلى النقطة وليست الخطوط سوى العالم فإنه بكل شئ محيط والكل في قبضته وإليه يرجع الأمر كله فالخلاء ما فرض بين النقطة والمحيط وهو الذي عمر العالم بعينه وكونه وفيه ظهرت الاستحالات من نقطة إلى محيط ومن محيط إلى نقطة فما خرج عنه عز وجل شئ ولا ثم شئ خارج عن المحيط فيدخل في إحاطته بل الكل منه انبعث وإليه ينتهي ومنه بدأ وإليه يعود فمحيطه أسماؤه ونقطته ذاته فلهذا هو الواحد العدد والواحد الكثير فما كل عين له ناظر إلا عين الإنسان ولولا الإنسان العين ما نظرت عين الإنسان فبالإنسان نظر الإنسان فبالحق ظهر الحق فقلنا فيه حق * وقلنا فيه خلق * وقلنا فيه در * وقلنا فيه حق فهو الملك والملك * وهو الفلك والفلك * فإذا ما هويته * قال للحب هيت لك أي حسنت هيئتي إذ هيت لك إذ لولا حسن العالم ما علم حسن القديم ولا جماله ولولا جمال الحق ما ظهر في العالم جمال فالأمر دوري وبه دار الفلك فدوران الفلك سعيه وما برح من مكانه فهو بكليته المنتقل الذي لم يفارق مكانه تنبيها من الله لعباده أو ضرب مثل أن الحق وإن أوجد العالم ووصف نفسه بما وصف ما زال في منزلة تنزيهه وتمييزه عن خالقه بذاته مع معينه بكل خلق من خلقه بخلاف الخطوط فإنها متحركة من الوسط وإلى الوسط فهي مفارقة وقاطعة منازل وحركة الوسط لم تفارق منزلتها ولا تحركت في غيرها وهي أعجوبة المسائل التي حار فيها المجيب والسائل ألا أيها الفلك الدائر * لمن أنت في سيركم سائر إلينا فنحن بأحشائكم * إليه فسيركم بائر تعالى عن الحد في نفسه * وقال هو الباطن الظاهر تدور علينا بأنفاسنا * وأنت لنا الحكم القاهر فشغلك بي شغل شاغل * وأنت إذا ما انقضى خاسر فإن كنت في ذاك عن أمره * فأنت به الرابح التاجر ومن فوقكم ثم من (1) فوقه * إله لرتقكم فاطر تعين بالفتق في رتقكم * فعقلك في صنعه حائر لذاك تدور وما تبرحن * بمثواك والمقبل الغابر فقف فأبى الجبر إلا السري * وقال أنا الكاسر الجابر سترت عيون النهي فانثنت * وقد علمت أنني الساتر فسبحان من حكمه حكمة * ومن عينه الوارد الصادر
(٤٥١)