ذات موجدها وهو علم لطيف فإنه كلام حق من حق لكن الأفهام تختلف فيه فإنه يقول للصور إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد فمعناه إن يشأ يشهدكم في كل زمان فرد الخلق الجديد الذي أخذ الله بأبصاركم عنه فإن الأمر هكذا هو في نفسه والناس منه في لبس إلا أهل الكشف والوجود فإن قلت فقد قلت ببقاء عين الجوهر قلنا ليس بقاؤه لعينه وإنما بقاؤه للصور التي تحدث فيه فلا يزال الافتقار منه إلى الله دائما فالجوهر فقره إلى الله للبقاء والصور فقرها إلى الله لوجودها فالكل في عين الفقر إلى الله والله هو الغني الحميد بالغنى أي المثنى عليه بصفة الغني عن العالم وفي هذا المنزل من العلوم علم إضافة الأعمال إلى الخلق وهو مذهب بعض أهل النظر والخلاف في ذلك قد تقدم في هذا الكتاب وحكاية المذاهب فيه وأقوالهم وفيه علم تعليم الحق عباده كيف يعاملونه بما يعاملونه به إذ لا تخلو نفس عن معاملة تقوم بها وفيه علم التنبيه على حقيقة الإنسان وفيه علم اختلاف العالم لما ذا يرجع بالصورة وبالحكم وفيه علم العناية ببعض المخلوقين وهي العناية الخاصة وأما العناية العامة فهي الإيجاد له وفقر العالم كله إليه تعالى وفيه علم تأثير الأعمال الخيرية في الأعمال غير الخيرية وأعمال الشر في أعمال الخير وأن القوي من الأعمال يذهب بالأضعف وأن العدم في الممكن أقوى من الوجود لأن الممكن أقرب نسبة إلى العدم منه إلى الوجود ولذلك سبق بالترجيح على الوجود في الممكن فالعدم حضرته لأنه الأسبق والوجود عارض له ولهذا يكون الحق خلاقا على الدوام لأن العدم يحكم على صور الممكنات بالذهاب والرجوع إليه رجوع ذاتي فحكم العدم يتوجه على ما وجد من الصور وحكم الإيجاد من واجب الوجود يعطي الوجود دائما عين صورة بعد عين صورة فالممكنات بين إعدام للعدم وبين إيجاد لواجب الوجود وأما تعلق ذلك بالمشيئة الإلهية فإنه سر من أسرار الله نبه الله عليه في قوله إن يشاء يذهبكم من باب الإشارة إلى غوامض الأسرار لأولي الأفهام إنه عين كل منعوت بكل حكم من وجود أو عدم ووجوب وإمكان ومحال فما ثم عين توصف بحكم إلا وهو ذلك العين وهذه مسألة تضمنها هذا المنزل ولولا ذلك ما ذكرناها فإنه ما تقدم لها ذكر في هذا الكتاب ولن تراها في غيره إلا في الكتب المنزلة من عند الله كالقرآن وغيره ومنها أخذناها بما رزقنا الله من الفهم في كلامه وفيه علم ما يمحو عبادة الصلاة من الأعمال التي نهى الشرع أن يعمل بها المكلف وفيه علم تأثير المجاورة ولذلك أوصى الله تعالى بالجار وقد أجرى الله على ألسنة العامة في أمثالهم أن يقولوا الرفيق قبل الطريق وقال رسول الله ص اللهم أنت الصاحب في السفر فهو رفيقه والخليفة في الأهل فهو وكيله ومن كمال امرأة فرعون قولها رب ابن لي عندك بيتا في الجنة فقدمته على البيت وهو الذي جرى به المثل في قولهم الجار قبل الدار وقال الله في تأثير الجوار لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك وقال ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومن جاور مواضع التهم لا يلومن من نسبه إليها وفيه علم الأمر الإلهي إذا لم ينفذ ما المانع لنفوذه وما هو الأمر الإلهي وهل له صيغة أم لا وفيه علم مجازاة كل عامل دنيا وآخرة جازاه بذلك من جازاه من حق وخلق والكل جزاء الله فما في الكون الأجزاء بالخير والشر وفيه علم الفرق بين الفرق وبذلك سموا فرقا وحكم الله الجامع والفارق وما يجتمع فيه العالم وما يفترق وفيه علم السعادة والشقاوة وما ينقطع من ذلك وما لا ينقطع وفيه علم الدار الآخرة ما هي ولما ذا اختصت باسم الحيوان والدنيا مثلها في هذه الصفة يدل على ذلك وإن من شئ إلا يسبح بحمده وفيه علم يعلم به إن الله لولا ما جعل المؤاخذة على الجرائم دلالة ما آخذ الله بها أحدا من خلقه جملة واحدة وفيه علم امتياز الإمام والمأموم واختلاف مراتب الأئمة في الإمامة وكيف يكون السعيد إماما للأشقياء وحكمه بالإمامة في الدنيا وحكمه بذلك في الآخرة فأما في الآخرة فيعم الاتباع ولكن من الاتباع هناك ما لا يزول إلى مقر الحسنى ومنه ما يأتيه امتناع إمامه في الدنيا فيصرف عن اتباعه في الأخرى لأن الإمام يسعد وليس ذلك المتبع المصروف من أهل السعادة فلا بد أن يحال بينه وبين إمامه وفيه علم النصائح وممن تقبل وما حظ العقل من النصائح وما حظ الشرع منها وفيه علم عموم ود الله ومحبته في صنعته ومصنوعاته ولذلك عمهم بالرحمة والغفران لمن يعقل عن الله فإنه المؤمن ومن شأن المؤمن أنه لا تخلص له معصية أصلا لا يشوبها طاعة كذلك
(٤٦٠)