الحق من كونه مؤمنا لا يمكن أن يخلص مع هذا الاسم شقاوة ما فيها رحمة هذا مما لا يتصور فإن الرحمة بالعالم أصل ذاتي بالوجود والشقاء أمر عارض لأن سببه عارض وهو مخالفة التكليف والتكليف عارض ولا بد من رفعه فترتفع العوارض لرفعه ولو بعد حين وفيه علم تغيير الحكم المشروع بتغيير الأحوال في المكلف وفيه علم الموازين المعنوية التي توزن بها المعاني والمحسوسات وموازين الآخرة هل هي إقامة العدل بالحكم في العالم بحيث أن يعلم العالم كله أنه ما طرأ عليه جور في الحكم عليه بما حكم الله به عليه أو هل هي محسوسة كالموازين المحسوسة في الدنيا لوزن الأشياء وإذا كانت حاسة البصر تدرك الموازين في الآخرة المحسوسة عندها هل هي محسوسة كما يدركها الحس أو ممثلة كتمثل الأعمال فإن الأعمال أعراض وهي في الآخرة أشخاص فتعلم أنها ممثلة لأن الحقائق لا تنقلب وحقيقة من لا يقوم بنفسه مغايرة حقيقة من يقوم بنفسه فلا بد أن تكون ممثلة كما ورد في الخبر النبوي أن الموت يؤتى به في صورة كبش أملح ولم يقل يؤتى به كبشا أملح والموت عرض بل نسبة فلا بد أن تكون العبارة عنه كما وردت في الخبر النبوي وفيه علم ما هي الأولية في اليوم فإنه دائرة ولا بد للدائرة من ابتداء وانتهاء إلى ذلك الابتداء فإن اليوم دورة واحدة للفلك الأطلس وقد انفصل بالليل والنهار بطلوع الشمس وغروبها وأول اليوم الذي تعين بالأرض عند حركة الفلك كان بالحمل ثم ظهر أول اليوم بطلوع الشمس إلى غروبها ولم يكن لها وجود إلا في برج الحمل فإنه بيت شرفها فوجدت طالعة في برج الحمل فظهر أول اليوم والصبح آخر اليوم وما بينهما ليل ونهار وهما معلومان بالطلوع والغروب ولذلك ما أخذ الله من أخذه من الأمم إلا في آخر اليوم وذلك لاستيفاء الحركة كما يتربص بالعنين انقضاء فصول السنة وحينئذ يفرق بينه وبين المرأة أعني زوجته لأن أسباب التأثير الإلهي المعتاد في الطبيعة قد مرت على العنين وما أثرت فيه فدل إن العنة فيه لا تزول فعدمت فائدة النكاح من لذة وتناسل ففرق بينهما إذ كان النكاح للالتذاذ والتناسل معا أو في حق طائفة أخرى لكذا وفي أخرى لكذا وفي حق أخرى للمجموع وكذلك إذا انتهت دورة اليوم وقع الأخذ الإلهي في آخره وفيه علم تجسد الأرواح في صور الأجسام الطبيعية هل عين ذلك الروح هو عين الصورة التي ظهر فيها أو هل ذلك في عين الرائي كما ذكرناه في زرقه السماء أو هل الروح لتلك الصورة كالروح للجسم أعني النفس الناطقة وتلك الصورة صورة حقيقة لها وجود عيني لا في عين الناظر كسائر الصور الحقيقية وهذه مسألة أغفلها كثير من الناس بل الناس كلهم فإنهم فنعوا بما ظهر لهم من صور الأرواح المجسدة فلو تر وحنوا في نفوسهم وحكموا بالصور على أجسامهم وتبدلت أشكالهم وصورهم في عين من يراهم علموا عند ذلك تجسد الأرواح لما ذا يرجع فإنه علم ذوق لا علم نظر فكري وقد بينا أن كل صورة تجسدت في العالم فلا بد لها من روح مدبرة من الروح الكل المنفوخ منه في الصور ومن علم إن الصورة المتجسدة في الأرواح إذا قتلت إن كانت حيوانا أو قطعت إن كانت نباتا أنها تنتقل إلى البرزخ ولا بد كما تنتقل نحن بالموت وإنها إن أدركت بعد ذلك فإنما تدرك كما يدرك كل ميت من الحيوان إنسان وغير إنسان فمن هنا أيضا إذا وقفت على علم هذا علمت صور الأرواح المتجسدة لما ذا ترجع وفيه علم ما للضيف الوارد من الحق على من ورد عليه والأنفاس واردات الحق على العبد ولها حق وهي راجعة إلى من وردت منه فلينظر بما ذا يستقبلها إذا وردت وما يلزمه من الأدب معها في الأخذ لما ترد به وما يخلع عليها إذا انقلبت عنه راجعة إلى الحق وفيه علم العادات وخرقها ودفع الشبه التي يراها الطبيعيون أنها تفعل لذاتها وما هي الطبيعة في الحقيقة ولمن ترجع الآثار الظاهرة في الكون وفيه علم شرف الحيوان على الإنسان الحيواني وفيه علم الجبر في الاختيار وفيه علم إدخال الحق نفسه مع الأكوان في السلوك والأحوال هل دخل معهم للحفظ أو دخل معهم لكونه العامل لما هم فيه أو دخل معهم صحبة وعناية بهم أو تقتضي ذاته ذلك الدخول معهم وفيه علم العبيد والأحرار وما الأعمال التي تطلب الأجور وممن تطلب فإن العامل ما يعمل إلا لنفسه فبما ذا يستحق الأجرة من غيره وفيه علم أسباب التجارة التي هي مخصوصة بالحياة وفيه علم خواص الأسماء الإلهية من حيث تركيب حروف ذلك الاسم حتى إذا ترجم بلسان آخر لم يكن له تلك الخاصية فإنه لا فرق بين مزاج حروف الكلمة إذا تركبت ومزاج أجسام المعدن أو النبات أو جسم الحيوان فإن جسم الحيوان هو جسم نباتي أضيف إليه حس فقيل حيوان
(٤٦١)