فهو من قبيل ما لو قلت لرجل: زيد قال لعمرو: أنت رجل فاسق، فكلمة أنت رجل فاسق يحتمل فيها أن تكون موجهة لمخاطبك أنت، ويحتمل أن تكون موجهة لعمرو إذن، فلا بد في الآية من التصرف في خطاب أولئك الناس والاتيان بالمضمون بطريقة تدفع هذا الالتباس. وهكذا كان، فإنه تعالى استخرج مضمون كلامهم وهو ان هؤلاء اي الكفار المشركون الذين خاطبهم أهل الكتاب (وهم غير من يخاطبهم النبي بالقرآن فعلا)، أهدى من المؤمنين فاتضح ان الآية لا تنافي سياق الحدث التاريخي الذي هو مورد البحث تحريض اليهود:
لقد رأى اليهود عن كثب كيف ان المسلمين يزدادون قوة ويزداد الاسلام انتشارا باستمرار ويرون ان نفوذهم كمصدر وحيد للمعارف بدأ ينحسر ويتلاشى وها هو الاسلام ينتقد ما يدعيه اليهود من ذلك ويفنده، ويبين الصحيح من المزيف منه. وهو بذلك يزلزل مكانتهم، ويفقدهم الشئ الذي كانوا ولا يزالون يعتزون ويفتخرون ويتسامون به على الناس ويبطل مزعمتهم بأنهم شعب الله المختار، ويرفع شعار: " ان أكرمكم عند الله أتقاكم " ولا فضل لعربي على أعجمي الا بالتقوى.
فاحترقت قلوبهم يالغيظ وطفحت بالحقد. وتآمروا على هذا الدين ونقضوا عهودهم التي قطعوها على أنفسهم، وجروا على أنفسهم