الشعور بالذنب والخيانة:
وإذا كان كعب يعترف بوفاء وصدق محمد، وبسائر المواقف النبيلة، والانسانية لنبي الاسلام، فإنه يكون قد اعترف ضمنا بالخيانة وبالغدر، فهل كان حقا قد شعر بالذنب وبتأنيب الضمير؟!
لو كان قد شعر بذلك حقا لبدرت منه بادرة تراجع أو ندم ولكن الله لا يوفق كل ظلوما كفار، ولن يكون لغادر فلاح، ولا لخائن نجاح. والمصير الذي انتهى إليه بنو قريظة خير شاهد على ذلك عدة مبعوثين لمهمة واحدة:
لقد رأينا فيما سبق: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد أرسل أكثر من شخص واحد لكشف خبر بني قريظة. ولعل ذلك يرجع إلى أن الجماعة تكون في مناسبات مشحونة بالتوتر أكثر تدبرا للأمور في المواقع التي تشهد تصعيدا خطيرا، وعلى درجة كبيرة من الحساسية. ويمكن لبعضهم أن يستعين بالبعض الاخر، ويسدده ويعضده، لو كان ثمة ما يقتضي اتخاذ موقف أو القيام بمبادرة من نوع ما كما أن ذلك يجعل الخبر الذي يأتي به هؤلاء، ليتخذ على أساسه قرارات في غاية الخطورة، ترتبط بمستقبل ومصير أمة من الناس. يجعله أكثر دقة، ووضوحا، وأبعد عن اللبس، وعن احتمالات تدخل الأهواء في صياغته وفي أدائه. بالإضافة إلى أن يقطع العذر لمن يريد أن يغدر ويمكر، ثم يجنب نفسه عواقب هذا الغدر و المكر، حتى تلوح له بوادر فشله، وخيبته. إذ لا بد ان يحيق به مكره السئ، ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله