فانتظم به أمره وأقام بها حولا ثم يجافى عن امارتها ولحق بأبيه بتونس سنة ثنتين وثمانين فجعل السلطان أمر قفصة لعبد الله التريكي وولاه عليها ثقة بغنائه واضطلاعه ولم يزل بها واليا إلى أن هلك سنة أربع وتسعين وولى السلطان مكانه محمدا ابنه وكان له اخوة أعزاء معقلا فلم تطرقه النكبة كما طرقت قومه وأبقاه السلطان بالبليد فأغرى هؤلاء الاخوة بأخيهم ووثبوا به فاعتقلوه وأظهروا العصيان ثم حمله أعيان البلد على البراءة من بنى عبد الله التريكي استرابة بهم أن يراجعوا طاعة السلطان فتوثب بهم وأخرجهم واستصفاهم واستقل برياسة البلد كما كان قومه والسلطان في خلال ذلك يرعد ويبرق ويواصل الاعذار والانذار وهم قد لجوا في طغيانهم ثم جمع جنوده واحتشد واستألف الاعراب ووفر الأعطيات ونهض إليها حتى نزل بساحتها منتصف خمس وتسعين وقد استعدوا وتحصنوا فألح عليهم القتال وأذاقهم النكال وقطع عنهم الميرة فضيق مخنقهم ثم عدا على نخلهم يقطعها حتى صرع جذوعها وفسح المجال وضاق عليهم المخنق فخرج شيخهم الدنيدن إلى السلطان يعقد معه صلحا على بلده وقومه فغدر به وحبسه رجاء أن يملك بذلك البلد وكان بعض بنى العابد واسمه عمرو بن الحسن قد انتبذ عن قفصة أيام نكبتهم وأبعد في المغرب ثم رجع ونزل بأطراف الزاب ولما استقل الدنيدن بقفصة قدم عليه فأقام معه أياما ثم استراب به وتقبض عليه وحبسه فلما غدر به السلطان اجتمعت عليه المشيخة وعقدوا له الامرة وبعثوا إلى العرب يسترحمونهم ويعطفونهم على ذخيرتهم فيهم وسربوا إليهم الأموال فتصدى إلى الدفاع عنهم صولة ابن خالد بن حمزة أمير أولاد أبى الليل وزحف إلى السلطان بمعسكره من ظاهر البلد وكان أولياؤه من العرب قد أبعدوا عنه في الجهات لانتجاع ابلهم فما راعه الا اطلاق صولة برايته في قومه فأجفل واتبعوه وما زال يكر عليهم في بنيه وخواصه حتى ردهم على أعقابهم وأغذ السير إلى تونس وهم في اتباعه ولم يظفروا منه بعقال الا ما كان من طعن القنا ووقع السيوف حتى وصل إلى حضرته ثم ندم صولة على ما كان منه وراسل السلطان بطاعته فلم يقبله وانحدر إلى مشاتيه سنة ست وتسعين واستدعى ابن يملول إلى صولة فأغراه بحصار توزر وأنزل معه عليها قومه فجلى الأمير المنتصر ابن السلطان في دفاعهم والامتناع عليهم حتى يئسوا واضطربت آراؤهم وأفرجوا عنها مفترقين وصعد صولة إلى التلال للمصيف وعاود الرغبة من السلطان في قبول طاعته وكان محمد الدنيدن لما أجفل السلطان عن قفصة تركه بتلك الناحية فلما وصل إلى تونس أرسل أهل قفصة في الرجوع إليهم فأجابه بعض أشياعه ودخل البلد فبدر به عمر بن العابد وكبسه بمكانه الذي نزل به وقتله واستبد بمشيخة قفصة وخشى أهل قفصة من
(٤٠١)