بالشريد الدائنين بالانتقاض سائر أيامهم وزحف إلى قفصة فملكها فذعروا ولحق أحمد ابن مكي بالسلطان أبى الحسن متذمما بشفاعته بعد أن كان الركب الحجازي من المغرب مر بقابس وبه بعض كرائم السلطان فأوسعوا حباءهم وسائر الركب قرى وحباء وقدموا ذلك وسيلة بين يدي وفادته فقبل السلطان وسيلتهم وكتب إلى مولانا السلطان أبى بكر شافعا فيهم لذمة السلطان والصهر فتقبل شفاعته وتجاوز عن الانتقام منهم بما اكتسبوه ثم هلك مولانا السلطان أبو بكر وماج بحر الفتنة وعادت الدولة إلى حالها من الانقسام وانسدت على صاحب الحضرة وجوه الانتصاف منهم فعاد بنو مكي وسواهم من رؤساء الجريد إلى حالهم من الاستبداد على الدولة وقطع أسباب الطاعة ومنع المغارم والجباية ومشايعة صاحب الغربية ركونا على صاحب الحضرة فلما استبد مولانا السلطان أبو العباس بالدعوة الحفصية وجمع الكلمة واستولى على كثير من الثغور المنتقضة تراسل أهل هذه العصور الجريدية وتحدثوا بما دهمهم وطلبوا وجه الخلاص منه والامتناع عليه وكان عبد الملك بن مكي أقعدهم بذلك لطول مراسلة الفتن وانحياشه إلى الثوار وكان أحمد أخوه ورديفه قد هلك سنة خمس وستين وانفرد هو برياسة قابس فراسلوه وراسلهم في الشأن وأجمعوا جميعا على تجييش العرب على السلطان وتسريب الأموال ومشايعة صاحب تلمسان بالترغيب في ملك إفريقية فانتدبوا لذلك من كل ناحية وبعثوا البريد إلى صاحب تلمسان فأطمعهم من نفسه وعللهم بالمواعيد الكاذبة والسلطان أبو العباس مقبل على شأنه يفتل لهم في الذروة والغارب حتى غلب أولاد أبى الليل الذين كانوا يغزونهم بالمدافعة عنهم وافتتح قفصة وتوزر ونفطة وتبين لهم عجز صاحب تلمسان عن صريخهم فحينئذ بادر عبد الملك إلى مراسلة السلطان يعده من نفسه الطاعة والوفاء بالجباية ويستدعى لاقتضاء ذلك منه بعض حاشيته فأجابه إلى ذلك وبعث أمره إليه ورجع إلى الحضرة في انتظاره فطاوله ابن مكي في العرض ورده بالوعد ثم اضطرب أمره وانتقض عليه أهل ضاحيته بنو أحمد احدى بطون ذياب وركبوا إليه فحاصروه وضيقوا عليه واستدعوا المدد لذلك من الأمير أبى بكر صاحب قفصة فأمدهم بعسكر وقائد فنازلوه واشتد الحصار واتهم ابن مكي بعض أهل البلد بمداخلتهم فكبسهم في منازلهم وقتلهم وتنكرت له الرعية وساءت حاله ودس إلى بعض المفسدين من العرب من بنى على في تبييت العسكر المحاصرين له واشترط لهم على ذلك ما رضوه من المال فجمعوا لهم وبيتوهم فانفضوا ونالوا منهم وبلغ السلطان خبرهم فاحفظه وأجمع الحركة على قابس وعسكر بظاهر الحضرة في رجب سنة احدى وثمانين وتلوم أياما حتى استوفى العطاء واعترض العساكر وتوافت أحياء أوليائه من أولاد مهلهل وحلفائهم من سائر
(٣٩١)