وبالجملة: إيجاد الفعل فاسدا عمدا أو سهوا أو غفلة نادر لا يعتني به العقلاء، بل احتماله مغفول عنه نوعا لدى العقلاء، فالحمل على الصحة لأجل الغلبة، وندرة التخلف في فعل الفاعل.
ثانيهما: أن مبنى بناء العقلاء في الحمل على الصحة أن سائسي الأقوام والنافذين فيهم - من السلاطين والرؤساء في الأزمنة القديمة التي كانت أوان حدوث التمدن والاجتماع البشري وحدوث الاختلاط بين الطوائف، وتدوين القوانين بينهم - وضعوا القوانين المفيدة السهلة، لرغد العيش وسهولة الأمر بينهم، ومنها: إجراء أصالة الصحة، فكانت في أول الأمر قانونا مدنيا بينهم، حتى صارت مرتكزة معمولا بها، فصارت كالطبيعة الثانية لهم، ولعل كثيرا من المرتكزات الآن كان كذلك في أوان تمدن البشر، فأخذ اللاحق من السابق، وورث الأبناء من الآباء، فصارت مرتكزة بينهم.
إذا عرفت ذلك: فاعلم أنه إذا كان مبنى أصالة الصحة هو الأمر الأول يكون المحمول عليه هو الصحة في اعتقاده، وإن كان الثاني يكون هو الصحة الواقعية.
ثم على الأول لو فرض الحمل على الصحة الواقعية لابد وأن يدعى أمر آخر: هو أنه عند الشك في اعتقاد الفاعل يحمل اعتقاده على كونه موافقا لاعتقاد الحامل، بدعوى أن الحامل لما رأى اعتقاده موافقا للواقع يحمل رأي الفاعل على الصحة، فيجري أصالة الصحة في اعتقاده، كما يجري في عمله، فيحمل عمله على الصحة الواقعية باعتبارهما.
أقول: لا إشكال في تعامل العقلاء مع الفعل المشكوك فيه في الجملة عمل الصحة الواقعية، ضرورة ترتيبهم آثار الواقع على المعاملات والعبادات الصادرة من الناس، كما أنه لا إشكال في عدم جريان أصالة تطابق اعتقاد الفاعل لاعتقاد الحامل (1)، ضرورة أنه مع كثرة مخالفة الاعتقادات والاجتهادات في الأحكام لا يبقى