الاستصحاب مفروض التحقق، لكن لا يعتنى به، ولا ينقض اليقين.
ولا يخفى: أنه لا تنافي بين التعبد بالمضي، وعدم الاعتناء بالشك - كما هو مفاد الأدلة المتقدمة - وبين التعبد بوجود المشكوك فيه، كما هو مفاد هذه الروايات، ولذا جمع بينهما في صحيحة حماد حيث قال: (قد ركعت أمضه).
وتوهم الفرق بين باب إفعال المضي ومجرده (1) بعيد في المقام، وإن يظهر من اللغة أن الإمضاء بمعنى الإنفاذ، والمضي بمعنى الذهاب (2).
وبالجملة: لا تنافي بين الأدلة، والمستفاد من جميعها أن قاعدة التجاوز أصل شرعي تأسيسي تعبدي، مفادها التعبد بوجود المشكوك فيه.
وإن شئت قلت: إنه أصل محرز تعبدي.
بقي الكلام في أنه بعد كون القاعدة أصلا محرزا هل تكون أصلا محرزا مطلقا، كالاستصحاب بناء على كونه أصلا محرزا، فيكون مفادها تحقق المشكوك فيه مطلقا، أو أصلا محرزا في موضوع خاص، وبعبارة أخرى تكون أصلا محرزا حيثيا؟
والفرق بين كونها أصلا تعبديا محضا من غير نظر إلى التعبد بالوجود، وبين كونها أصلا محرزا واضح، فإنه على المحرزية يترتب عليها أثر الوجود، فلو شك في حال القنوت في إتيان السورة يتحقق القران بإتيان سورة أخرى، بناء على عدم كون القران أمرا بسيطا انتزاعيا، وبناء على المحرزية دون غيرها.
وأما الفرق بين المحرزية المطلقة وغيرها: أنه بناء على الأول يترتب عليها آثار الوجود مطلقا، فلو شك بعد صلاة العصر في إتيان الظهر بنى على تحققه، ولا يجب إتيانه، وكذا لو شك في الوضوء بعد صلاة الظهر بنى على تحققه مطلقا، فيحكم بوجوده لسائر الأمور المشروطة بالوضوء.