فالقول: بأن معنى (لا تنقض) أنه إذا كان شئ موجودا واحتمل زواله لا يعتنى بهذا الاحتمال بعيد عن الصواب، وأجنبي عن أخبار الباب، وكذا اليقين في القاعدة بما أنه طريق إلى الواقع اخذ موضوعا، لا بما أنه صفة قائمة بالنفس.
وقوله (1): أن اليقين في القاعدة ملحوظ من حيث نفسه لبطلان كاشفيته بعد تبديله إلى الشك.
فيه: أن اليقين في ظرف وجوده كان كاشفا عن متعلقه، والمطابقة للواقع وكون الكشف كشفا صادقا لا دخل لهما في ذلك.
فلا إشكال في أن قوله: " من كان على يقين في عدالة زيد يوم الجمعة فشك بعده في عدالته يوم الجمعة " لا يريد باليقين فيه إلا ما يريد بقوله: " من كان على يقين في عدالة زيد يوم الجمعة فشك في بقائها يوم السبت " من غير تفاوت في النظر والاعتبار.
فتحصل مما ذكرنا: أن الجمع بين القاعدتين بل القواعد الثلاث في قوله:
(لا تنقض اليقين بالشك) مما لا مانع منه.
فما قد يقال: من عدم إمكان الجمع بينهما في اللحاظ من جميع الجهات - لا من من جهة اليقين، ولا من جهة المتيقن، ولا من جهة النقض، ولا من جهة الحكم (2) - مما لا يرجع إلى محذور بعد التأمل فيما ذكرنا.
وقد يقال في وجه الامتناع: إن إرجاع الضمير في الاستصحاب إلى ما تعلق به اليقين يكون بنحو من المسامحة، لعدم وحدة متعلقيهما دقة، بخلاف الإرجاع في القاعدة، فهما نظران مختلفان لا جامع بينهما (3).