ذلك يكون المعنى المتفاهم ابتداء موضوعا للحكم، فإذا قال المولى: " إذا قمت إلى الصلاة فول وجهك شطر المسجد الحرام " لا يفهم المخاطب من هذا الكلام إلا استقبال المسجد بالنحو المتعارف، وإن كانت الدقة العرفية أيضا تقتضي كونه أضيق مما هو المتفاهم عرفا، فالمناط في أمثاله هو التفاهم العرفي، لا الدقة العقلية إن قلنا: بأن الميزان هو العرف.
ثم إنه لا إشكال: في أن الميزان في تشخيص جميع المفاهيم ومصاديقها وكيفية صدقها عليها هو العرف، لأن الشارع كواحد من العرف في المخاطبات والمحاورات، وليس له اصطلاح خاص، ولا طريقة خاصة في إلقاء الكلام إلى المخاطب، فكما يفهم أهل المحاورات من قول بعضهم: " اجتنب عن الدم " أو " اغسل ثوبك من البول " يفهم من قول الشارع أيضا، وليس مخاطبة الشارع مع الناس إلا كمخاطبة بعضهم بعضا، فإذا قال: * (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) * (1) لا يكون المراد منه إلا الغسل بالنحو المتعارف، لا الغسل من الأعلى فالأعلى بنحو الدقة العقلية، فكما أن العرف محكم في تشخيص المفاهيم محكم في صدقها على المصاديق وتشخيص مصاديقها، فما ليس بمصداق عرفا ليس بمصداق للموضوع المحكوم بالحكم الشرعي.
فما أفاده المحقق الخراساني: من أن تشخيص المصاديق ليس موكولا إلى العرف (2) وتبعه غيره (3) ليس على ما ينبغي، فالحق ما ذكرنا تبعا لشيخنا العلامة أعلى الله مقامه (4).