والمصاديق، وأن تشخيصه هو الميزان، مقابل تشخيص العقل الدقيق البرهاني.
مثلا: لا شبهة في أن الدم عبارة عن المائع المعهود - الجاري في القلب والعروق، والمسفوح منه - موضوع للحكم بالنجاسة، وليس ما يتسامح فيه العرف ويطلق عليه الدم تسامحا موضوعا لها، لكن العرف مع كمال دقته في تشخيص مصاديقه يحكم بأن اللون الباقي بعد غسل الثوب ليس بدم، بل هو لون الدم، لكن البرهان العقلي قام على امتناع انتقال العرض، فيحكم العقل لأجل ذلك بأن اللون هو الأجزاء الصغار من جوهر الدم.
والكلب ليس عند العرف إلا الجثة الخارجية، والحياة من حالاتها، وميتة الكلب كلب عندهم حقيقة، وعند العقل البرهاني لما كانت شيئية الشئ بصورته، وصورة الكلب نفسه الحيوانية الخاصة به، فإذا فارقت جثته سلب منها اسم الكلب، وتكون الجثة جمادا واقعة تحت نوع آخر غير النوع الكلبي، بل يسلب عنها اسم جثة الكلب وبدنه أيضا، ويكون إطلاق بدن الكلب على الجثة المفارقة لها الروح مسامحة لدى العقل، كما هو المقرر في محله من العلوم العالية (1)، مع أنها كلب لدى العرف حقيقة.
وبالجملة: ليس المراد من كون تشخيص المفاهيم ومصاديقها موكولا إلى العرف هو التسامح العرفي، فالتسامح العرفي في مقابل الدقة العقلية البرهانية، لا في مقابل دقة العرف.
نعم: قد يكون بين المتكلم والمخاطب في عرف التخاطب وتعارف التكلم بعض المسامحات التي تكون مغفولا عنها لديهم حال التكلم، ويحتاج التوجه إليها إلى زيادة نظر ودقة، ومع الدقة والنظرة الثانية يتوجه المتكلم والمخاطب إلى التسامح، ففي مثل