وهذا بخلاف ما إذا كان مصب العموم الزماني متعلق الحكم كقوله: " أكرم العلماء في كل زمان " إذا كان ظرفا للمتعلق، فإن التمسك بالعموم فيه في مورد الشك لا مانع منه، لأن العموم الزماني فيه تحت دائرة الحكم، كما أنه في الأول يكون فوق دائرة الحكم، وهذا هو المناط لجواز التمسك ولا جوازه.
قلت: نعم هذا ملخص ما فصله بعض أعاظم العصر رحمه الله (1).
وفيه: أن عدم جواز كشف الموضوع بالحكم وإثباته به إنما هو فيما إذا تعلق الحكم بموضوع مفروض الوجود، كالقضايا الحقيقية، مثل " أكرم العلماء " الذي كان حاصل مفاده " كل ما وجد في الخارج وكان عالما يجب إكرامه "، فلا يمكن في مثل تلك القضايا إثبات الموضوع بالحكم.
وأما إذا كان المحمول بدلالة لغوية يدل على وجود الحكم في جميع الأزمان استقلالا، أو على نحو الاستمرار فيكشف عن حاله، فلو قال المولى: " إن وجوب إكرام العلماء مستمر إلى الأبد " فقد يشك في أصل تعلق وجوب الإكرام بالفساق مثلا، أي يشك في التخصيص، فلا يكون قوله: " مستمر " رافعا لهذا الشك، بل الرافع له قوله:
" أكرم العلماء " وأما إذا شك في وجوب إكرامه في يوم كذائي بعد العلم بأصل وجوب الإكرام، أي يشك في استمرار الحكم، فيكون قوله: " حكمي مستمر " كاشفا عن استمراره وتحققه في اليوم المشكوك فيه.
والسر فيه: أن أصل الحكم بالنسبة إلى المحمول، أي قوله: " مستمر " اخذ مفروض الوجود، كما في القضايا الحقيقية، وأما بالنسبة إلى استمراره فلا يمكن أن يؤخذ كذلك لأنه يلزم أن ترجع قضية " حكمي مستمر " إلى قضية ضرورية بشرط المحمول، أي حكمي المفروض استمراره مستمر، وهو كما ترى.