وثانيا: أن كون الزمان أمرا مستمرا واحدا لا يلازم كون مقتضى الإطلاق وحدة الحكم، بحيث إذا انقطع في زمان انقطع مطلقا، فإن لازم ذلك أن يكون موضوع الحكم كالعام المجموعي، ولازمه عدم لزوم الإطاعة لو عصاه في زمان، مع أن الواقع في أشباه * (أوفوا بالعقود) * خلاف ذلك، بل فرض مثل العموم المجموعي المقتضي لانتفاء الحكم بانتفاء جزء من الزمان خروج عن محط البحث، فحينئذ لو خرج جزء من الزمان لا مانع من التمسك بالاطلاق بالنسبة إلى سائر الأزمنة.
بل لنا أن نقول: إن الزمان وإن كان واحدا مستمرا تتقدم أجزاؤه الفرضية بعضها على بعض، لكن الحكم المستفاد من الإطلاق بالنسبة إلى أجزائه عرضي، لكن لا بمعنى كون مقتضى الإطلاق شمول المطلق للأجزاء، بل بمعنى لزوم الوفاء بالعقد مثلا من غير تقييد بزمان، فيجب الوفاء عليه بالنسبة إلى الأجزاء الغير الآتية في الحال أيضا.
فإن قلت: إن استمرار الحكم ودوامه فرع وجود الحكم، لأن الحكم بمنزلة الموضوع بالنسبة إليه، فإذا قيل " الحكم مستمر " أو يستفاد ذلك من مقدمات الحكمة لا يمكن التمسك بظهور القيد أو أصالة الإطلاق لكشف حال الحكم، فإنه من قبيل إثبات الموضوع بالحكم وهو محال، فالعموم الزماني إذا كان مصبه نفس الحكم يكون دائما مشروطا بوجود الحكم، ولا يمكن أن يدل قوله: " الحكم مستمر في كل زمان " على وجود الحكم مع الشك فيه، وكذا لو كان استمراره مقتضى مقدمات الحكمة، فإن الإطلاق أيضا فرع الحكم، ومع الشك فيه لا يمكن أن يرجع إليه لكشف حاله، لأنه من قبيل إثبات الموضوع بالحكم.
ألا ترى: أنه إذا قال: " أكرم العلماء " وشك في وجود العالم لا يمكن إثباته بعمومه، لأن إثبات الموضوع بالحكم كتحققه به محال، كذلك إذا قال المولى: " الحكم مستمر " أو كان ذلك مقتضى مقدمات الحكمة.