نعم: فيما إذا علم بوجوب شئ وقطع بزواله، واحتمل تبدله بالاستحباب يكون من القسم الثالث، لأنه من قبيل تبدل فرد من الطلب بفرد آخر مغاير له عرفا وعقلا.
ومما ذكرنا يتضح: أن استثناء الشيخ الأنصاري من عدم جريان الاستصحاب في القسم الثاني من القسم الثالث ما يكون من قبيل السواد الضعيف والشديد (1) من الاستثناء المنقطع، كما أن التفصيل بين القسمين المتقدمين الذي اختاره (2) مما لا وجه له، لأن مقارنة الفرد لفرد آخر وعدمها لا دخل لهما في بقاء الكلي وعدمه، كما لا يخفى.
ثم إنه قد يقال: بعدم جريان الاستصحاب فيه، لأن العلم بوجود الفرد في الخارج إنما يلازم العلم بوجود حصة من الكلي في ضمن الفرد الخاص، لا العلم بوجود الكلي، والحصة الموجودة في ضمن الفرد الخاص تغاير الحصة الأخرى في ضمن فرد آخر، ولذا قيل (3): نسبة الكلي إلى الأفراد نسبة الآباء المتعددين إلى الأبناء (4).
ولا يخفى: أن هذا ناش من عدم تعقل الكلي الطبيعي وكيفية وجوده، وعدم الوصول إلى مغزى مراد القوم من أن نسبة الكلي إلى الأفراد نسبة الآباء، ضرورة أن الكلي الطبيعي لدى المحققين موجود بتمام ذاته مع كل فرد من الأفراد، فكل فرد في الخارج بتمام هويته عين الكلي، لا أنه حصة منه، ولا تعقل الحصص للكلي، فزيد انسان، لا نصف انسان، أو جزء انسان، أو حصة منه، فلا معنى للحصة أصلا.
وبالجملة: هذا الإشكال بمكان من الضعف يغني تصور الكلي عن رده، والعجب أن بعض أعاظم العصر ادعى البداهة لما اختاره من الحصص للكلي (5)، مع كونه ضروري الفساد.