(الثاني) أن استصحاب عدم الجعل معارض بمثله في رتبته، فان استصحاب عدم جعل الحرمة في المثال المتقدم معارض باستصحاب عدم جعل الحلية، لوجود العلم الاجمالي بجعل أحدهما في الشريعة المقدسة فيبقى استصحاب بقاء المجعول وهي الحرمة بلا معارض.
ويمكن الجواب عنه بوجوه: (الوجه الأول) أنه لا مجال لاستصحاب عدم جعل الحلية، لان الحلية والرخصة كانت متيقنة متحققة في صدر الاسلام، والاحكام الالزامية قد شرعت على التدريج، فجميع الأشياء كان على الإباحة بمعنى الترخيص والامضاء كما يدل عليه قوله (ع): " اسكتوا عما سكت الله " وقوله (ع): " كلما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم " نعم بعض الأحكام الذي شرع لحفظ النظام كحرمة قتل النفس، وحرمة أكل أموال الناس، وحرمة الزنا، وغيرها من الاحكام النظامية غير مختص بشريعة دون شريعة، وقد ورد في بعض النصوص أن الخمر مما حرمت في جميع الشرائع. والحاصل أن وطء الحائض مثلا كان قبل نزول الآية الشريفة " فاعتزلوا النساء في المحيض " مرخصا فيه، فلا مجال لاستصحاب عدم جعل الحلية.
(الوجه الثاني) أنه لا معارضة بين استصحاب عدم جعل الحلية واستصحاب عدم جعل الحرمة لامكان التعبد بكليهما بالتزام عدم الجعل أصلا لا جعل الحرمة ولا جعل الحلية، وذلك، لما مر غير مرة ويأتي في أواخر الاستصحاب انشاء الله تعالى من أن قوام التعارض بين الأصلين بأحد أمرين على سبيل منع الخلو، وربما يجتمعان:
(أحدهما) أن يكون التنافي بين مفاد الأصلين في نفسه مع قطع النظر عن لزوم المخالفة القطعية العملية، كما إذا كان مدلول أحد الأصلين الإباحة ومدلول الاخر الحرمة، أو كان مدلول أحدهما الإباحة ومدلول الاخر عدمها، فلا يصح التعبد