وبرخصة من الشارع، ولا محذور في المخالفة الالتزامية والمخالفة العملية القطعية غير ثابتة، لاحتمال كون ما صدر منه مخالفا للواقع هو الافتاء بحرمة المباح الواقعي، ولا تلزم منه مخالفة عملية، فان المخالفة العملية إنما تتحقق فيما علم الافتاء بإباحة الحرام الواقعي، وليس له هذا العلم. غاية ما في الباب علمه بكون بعض ما في الرسالة مخالفا للواقع:
اما الافتاء بحرمة المباح الواقعي أو بإباحة الحرام الواقعي.
(الوجه الثالث) أنه لو تنزلنا عن جميع ذلك، فنقول: إنه يقع التعارض بين هذه الاستصحابات الثلاث في مرتبة واحدة، لا أنه يقع التعارض بين استصحاب عدم جعل الحرمة واستصحاب عدم جعل الحلية في مرتبة متقدمة على استصحاب بقاء المجعول.
وبعد تساقط الاستصحابين في مقام الجعل تصل النوبة إلى استصحاب بقاء المجعول، ويتم المطلوب، وذلك، لان جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعية لا يكون متوقفا على تحقق الموضوع في الخارج، بحيث يكون استصحاب بقاء الحرمة متوقفا على وجود زوجة انقطع دمها ولم تغتسل، بل يجري الاستصحاب على فرض وجود الموضوع، فان جميع فتاوى المجتهد مبني على فرض وجود الموضوع، فلا يتوقف الاستصحاب المذكور إلا على فعلية اليقين والشك على فرض وجود الموضوع، وكل مجتهد التفت إلى الحكم المذكور - أي حرمة وطء الحائض بعد انقطاع دمها - يحصل له اليقين بحرمة الوطء حين رؤية الدم، واليقين بعدم جعل الحرمة قبل نزول الآية الشريفة (فاعتزلوا النساء)، واليقين بعدم جعل الإباحة في الصدر الأول من الاسلام، ويحصل له الشك في حرمة الوطء بعد انقطاع الدم قبل الاغتسال. وكان واحد من هذه الأمور فعلي عند الافتاء على فرض وجود الموضوع، فيقع التعارض بين الاستصحابات الثلاثة في مرتبة واحدة ويسقط جميعها.
وربما يقال في المقام: ان أصالة عدم جعل الحرمة حاكمة على استصحاب بقاء