وكان زيد عالما فزالت عنه ملكة العلم، وشككنا في وجوب إكرامه من جهة الشك في شمول مفهوم العالم للمنقضي عنه المبدأ واختصاصه بالمتلبس، فليس في المقام شك في شئ من الأمور الخارجية، بل الشك إنما هو في جعل الشارع سعة وضيقا، فيجري التعارض بين الاستصحابين على النحو الذي ذكرناه حرفا بحرف.
فتلخص مما ذكرنا أنه لا مجال لجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية، بخلاف الشبهات الموضوعية، لعدم الشك فيها في الجعل. وإنما الشك في بقاء الموضوع الخارجي، فيجري الاستصحاب فيها بلا معارض، مثلا إذا شككنا في تحقق النوم بعد اليقين بالوضوء، فلا شك لنا في الجعل ولا في مقدار سعة المجعول، لأنا نعلم أن المجعول هو حصول الطهارة بالوضوء إلى زمان طرو الحدث، وإنما الشك في حدوث النوم في الخارج، فيجري استصحاب عدمه بلا معارض.
بقي الكلام في الاشكالات التي ذكروها في المقام:
(الأول) ما أورده الفاضل النراقي على نفسه، وهو أنه يعتبر في الاستصحاب اتصال زمان الشك بزمان اليقين، لقوله (ع): " لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت " فان الفاء يدل على التعقيب واتصال الشك باليقين، ولازم ذلك عدم جريان استصحاب عدم الجعل، لأن الشك في حرمة الوطء بعد انقطاع الدم متصل باليقين بحرمة الوطء لا باليقين بعدم حرمته، لان اليقين بعدم الحرمة قد انتقض باليقين بالحرمة، فلا مجال لجريان استصحاب عدم جعل الحرمة بالنسبة إلى ما بعد الانقطاع.
وأجاب عنه بأن اليقين بعدم الحرمة - بالنسبة إلى ما بعد الانقطاع - لم ينتقض باليقين بالحرمة، نعم اليقين بعدم الحرمة - بالنسبة إلى زمان وجود الدم - قد انتقض باليقين بالحرمة. وأما ليقين بعدم الحرمة بالنسبة إلى ما بعد الانقطاع، فهو باق بحاله حتى بعد اليقين بالحرمة حال رؤية الدم، فالشك في الحرمة متصل باليقين بعدم