فإذا لا مجال للقول بأن المطلوب في النواهي هو ترك الفعل ونفس أن لا تفعل، إلا أن يدعى أن غرضهم من ذلك هو: أنه مطلوب بالعرض وقد اخذ مكان ما بالذات، ولكن من الواضح أن إثبات هذه الدعوى في غاية الإشكال.
وقد تحصل من ذلك: أنه لا شبهة في أن متعلق الأمر بعينه هو ما تعلق به النهي، فلا فرق بينهما من ناحية المتعلق أبدا، والفرق بينهما إنما هو من ناحية المعنى الموضوع له كما مضى.
عدة نقاط فيما ذكرناه:
الأولى: أن كلا من الأمر والنهي اسم لمجموع المركب من الأمر الاعتباري النفساني وإبرازه في الخارج، فلا يصدق على كل منهما، ضرورة أنه لا يصدق على مجرد اعتبار المولى الفعل على ذمة المكلف بدون إبرازه في الخارج. كما أنه لا يصدق على مجرد إبرازه بدون اعتباره شيئا كذلك، وكذا الحال في النهي، وهذا ظاهر.
ونظير ذلك ما ذكرناه في بحث الإنشاء والإخبار: من أن العقود والإيقاعات - كالبيع والإجارة والطلاق والنكاح وما شاكل ذلك - أسام لمجموع المركب من الأمر الاعتباري النفساني وإبراز ذلك في الخارج بمبرز، فلا يصدق البيع - مثلا - على مجرد ذلك الأمر الاعتباري، أو على مجرد ذلك الإبراز الخارجي، كما تقدم هناك بشكل واضح.
الثانية: أن النزاع المعروف بين الأصحاب من أن متعلق النهي هل هو ترك الفعل ونفس أن لا تفعل، أو الكف عنه؟ باطل من أصله، ولا أساس له أبدا.
الثالثة: أن نقطتي الاشتراك والامتياز بين الأمر والنهي على وجهة نظرنا، ونقطتي الاشتراك والامتياز بينهما على وجهة نظر المشهور متعاكستان، فإن الأمر والنهي على وجهة نظر المشهور - كما عرفت - متفقان بحسب المعنى ومختلفان في المتعلق. وعلى وجهة نظرنا مختلفان في المعنى ومتفقان في المتعلق كما مر.
الرابعة: أن الأمر والنهي مصداق للبعث والتحريك والزجر والمنع، لا أنهما موضوعان بإزائهما كما سبق.