عليها في آن ماتت تلك الأشياء فيه حتما وانعدمت، بداهة استحالة بقاء ما هو عين التعلق والارتباط بدون ما يتعلق به ويرتبط. ونظيرها: وجود النور داخل الزجاج بواسطة القوة والطاقة الكهربائية التي تصل إليه بالأسلاك والتيارات من مركز توليدها، ولا يمكن استغناء وجود النور بقاء عن وجود هذه الطاقة، فاستمرار وجوده فيه باستمرار وصول تلك الطاقة إليه آنا بعد آن، ولو انعدمت تلك الطاقة عنه في آن انعدم النور فيه فورا.
إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة الدقيقة، وهي: أن الوجود الممكن بشتى ألوانه وأشكاله وجود تعلقي وارتباطي، فالتعلق والارتباط مقوم لوجوده وكيانه. وعلى أساس تلك النتيجة فالإنسان يفتقر كل آن في حفظ كيانه ووجوده وقدرته إلى الإفاضة من المبدأ عليه، ولو انقطعت إفاضة الوجود منه مات، كما لو انقطعت إفاضة القدرة عنه عجز.
وقد يناقش في هذه النتيجة بأنها مخالفة لظواهر الأشياء الكونية، فإنها باقية بعد انتفاء علتها، ولو كان وجود المعلول وجودا تعلقيا ارتباطيا لم يعقل بقاؤه بعد انتفاء علته.
والجواب عن هذه المناقشة قد تقدم بصورة مفصلة عند نقد نظرية المعتزلة (1)، وأثبتنا هناك: أن المناقش بما أنه لم يصل إلى تحليل مبدأ العلية لتلك الظواهر حدوثا وبقاء وقع في هذا الخطا والاشتباه فلاحظ.
لا بأس أن نشير في ختام هذا الشوط إلى نقطتين:
الأولى: أن مرد حديثنا عن أن الأشياء الخارجية بكافة أنواعها أشياء تعلقية وارتباطية تتعلق بالمبدأ الأعلى وترتبط به ليس إلى نفي العلية بين تلك الأشياء، بل مرده إلى أن تلك الأشياء بعللها ومعاليلها تتصاعد إلى سبب أعمق وتنتهي إلى مبدء أعلى ما وراء حدودها.