في كل آن شاء وأراد، وهذا هو واقع نظرية الأمر بين الأمرين وحقيقتها.
وبعد ذلك نقول: إن الأشاعرة تدعي: أن أفعال العباد من قبيل الأول حيث إنها لم تصدر عنهم باختيارهم وإرادتهم، بل هي جميعا بإرادة الله تعالى التي لا تتخلف عنها، وهم قد أصبحوا مضطرين إليها ومجبورين في حركاتهم وسكناتهم كالميت في يد الغسال.
ومن هنا قلنا: إن في ذلك القضاء الحاسم على عدالته سبحانه وتعالى (1). هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: قد تقدم نقد هذه النظرية بشكل موسع وجدانا وبرهانا (2).
وقد أثبتنا أن تلك النظرية لا تتعدى عن مجرد الافتراض بدون أن يكون لها واقع موضوعي.
والمعتزلة تدعي: أن أفعال العباد من قبيل الثاني، وأنهم مستقلون في حركاتهم وسكناتهم، وإنما يفتقرون إلى إفاضة الحياة والقدرة من الله تعالى حدوثا فحسب، ولا يفتقرون إلى علة جديدة بقاء، بل العلة الأولى كافية في بقاء القدرة والاختيار لهم إلى نهاية المطاف.
ومن هنا قلنا: إن هذه النظرية قد أسرفت في تحديد سلطنة الباري سبحانه وتعالى (3). هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: قد سبق أن تلك النظرية تقوم على أساس نظرية الحدوث، وهي النظرية القائلة: بأن سر حاجة الأشياء إلى أسبابها هو حدوثها (4). ولكن قد أثبتنا آنفا خطأ تلك النظرية بشكل واضح، وأن سر حاجة الأشياء إلى أسبابها هو إمكانها الوجودي، لا حدوثها، ولا فرق فيه بين الحدوث والبقاء.
والإمامية تدعي: أن أفعال العباد من قبيل الثالث، وقد عرفت أن النظرية الوسطى هي تلك النظرية (الأمر بين الأمرين) (5)، ونريد الآن درس هذه النظرية