بصورة أعمق منطقيا وموضوعيا.
قد تقدم أن سر حاجة الأشياء إلى العلة بصورة عامة - الكامن في جوهر ذاتها وصميم وجودها - هو إمكانها الوجودي وفقرها الذاتي في قبال واجب الوجود والغني بالذات، ومعنى إمكانها الوجودي بالتحليل العلمي: أنها عين الربط والتعلق، لا ذات لها الربط والتعلق، وإلا لكانت في ذاتها غنية وغير مفتقرة إلى المبدأ، وفي ذلك انقلاب الممكن إلى الواجب، وهو مستحيل. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: أنه لا فرق في ذلك بين وجودها في أول سلسلتها وحلقتها التصاعدية وبين وجودها في نهاية تلك السلسلة، لاشتراكهما في هذه النقطة، وهي الإمكان والفقر الذاتي، وإلا لزم كون الممكن واجبا في نهاية المطاف (1).
فالنتيجة على ضوء هاتين الناحيتين: هي أن الأشياء الخارجية بكافة أشكالها أشياء تعلقية وارتباطية، وأنها عين التعلق والارتباط، وهو مقوم لكيانها ووجودها، فلا يعقل استغناؤها عن المبدأ، ضرورة استحالة استغنائها عن شئ ترتبط به وتتعلق.
ومن نفس هذا البيان يظهر لنا: أن الموجود الخارجي إذا لم يكن في ذاته تعلقيا وارتباطيا لا يشمله مبدأ العلية، بداهة أنه لا واقع للمعلول وراء ارتباطه بالعلة ذاتا، فما لم يكن مرتبطا بشئ كذلك لا يعقل أن يكون ذلك الشئ مبدأ له وعلة، ومن هنا لا يكون كل مرتبط بشئ معلولا له.
فبالنتيجة: أن الموجود الخارجي لا يخلو: إما أن يكون ممكن الوجود وهو عين التعلق والارتباط. أو يكون واجب الوجود وهو الغنى بالذات، ولا ثالث لهما. وعلى أساس ذلك أن تلك الأشياء كما تفتقر في حدوثها إلى إفاضة المبدأ كذلك تفتقر في بقائها الذي هو الحدوث في الشوط الثاني، ولابد في بقائها واستمرارها من استمرار إفاضة الوجود من المبدأ عليها، فلو انقطعت الإفاضة