المشدود في يده سيقع عليه فيهلكه حتما. ومن الطبيعي أن مثل هذا الفعل خارج عن اختياره ولا يستند إليه، ولا يراه العقلاء مسؤولا عن هذا الحادث، ولا يتوجه إليه الذم واللوم أصلا، بل المسؤول عنه إنما هو من ربط يده بالسيف ويتوجه إليه اللوم والذم، وهذا واقع نظرية الجبر وحقيقتها.
الثاني: ما يصدر عنه باختياره واستقلاله من دون حاجة إلى غيره أصلا، وذلك كما إذا افترضنا أن المولى أعطى سيفا قاطعا بيد شخص حر وقد ملك تنفيذ إرادته وتحريك يده ففي مثل ذلك إذا صدر منه قتل في الخارج يستند إليه دون المعطي، وإن كان المعطي يعلم أن إعطاءه السيف ينتهي به إلى القتل، كما أنه يستطيع أن يأخذ السيف منه متى شاء، ولكن كل ذلك لا يصحح استناد الفعل إليه، فإن الاستناد يدور مدار دخل شخص في وجوده خارجا، والمفروض أنه لا مؤثر في وجوده ما عدا تحريك يده الذي كان مستقلا فيه. وهذا واقع نظرية التفويض وحقيقتها.
الثالث: ما يصدر عنه باختياره وإعمال قدرته على رغم أنه فقير بذاته وبحاجة في كل آن إلى غيره بحيث لو انقطع منه مدد الغير في آن انقطع الفعل فيه حتما، وذلك كما إذا افترضنا أن للمولى عبدا مشلولا غير قادر على الحركة فربط المولى بجسمه تيارا كهربائيا ليبعث في عضلاته قوة ونشاطا نحو العمل، وليصبح بذلك قادرا على تحريكها، وأخذ المولى رأس التيار الكهربائي بيده وهو الساعي لإيصال القوة في كل آن إلى جسم عبده بحيث لو رفع اليد في آن عن السلك الكهربائي انقطعت القوة عن جسمه فيه وأصبح عاجزا. وعلى هذا فلو أوصل المولى تلك القوة إلى جسمه وذهب باختياره وقتل شخصا والمولى يعلم بما فعله ففي مثل ذلك يستند الفعل إلى كل منهما. أما إلى العبد فحيث إنه صار متمكنا من إيجاد الفعل وعدمه بعد أن أوصل المولى القوة إليه وأوجد القدرة في عضلاته وهو قد فعل باختياره وإعمال قدرته. وأما إلى المولى فحيث إنه كان معطي القوة والقدرة له حتى حال الفعل والاشتغال بالقتل، مع أنه متمكن من قطع القوة عنه