ومن هذا القبيل: ما نسب إلى بعض (1): من أن السفر قيد للوجوب دون الواجب، فلو كان المكلف مسافرا في أول الوقت ثم حضر وجب عليه القصر دون التمام.
فالنتيجة: أنه لا ملازمة بين كون شئ قيدا للوجوب وكونه قيدا للواجب أيضا.
وعلى الجملة: فقد يكون الشئ قيدا للهيئة دون المادة كما عرفت، وقد يكون قيدا للمادة دون الهيئة، وذلك كاستقبال القبلة، وطهارة البدن واللباس، وما شاكل ذلك، فإنها بأجمعها تكون قيدا للمادة - وهي الصلاة - دون وجوبها، وقد يكون قيدا لهما معا، وذلك كالوقت الخاص بالإضافة إلى الصلاة مثلا، كزوال الشمس وغروبها، وطلوع الفجر، فإن هذه الأوقات من ناحية كونها شرطا لصحة الصلاة فهي قيد لها، ومن ناحية أنها ما لم تتحقق لا يكون الوجوب فعليا، فهي قيد له.
وعلى ضوء هذا البيان قد ظهر: أن القيد المردد بين رجوعه إلى المادة أو الهيئة إن كان متصلا فهو مانع عن أصل انعقاد الظهور، لفرض احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية، لوضوح أن القيد المزبور على أساس ما حققناه صالح لأن يكون قرينة على تقييد كل منهما، ومعه لا ينعقد الظهور لهما جزما.
فما أفاده شيخنا الأستاذ (قدس سره) من أن المقام غير داخل في كبرى احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية (2) يقوم على أساس ما ذكره من وجود القدر المتيقن في البين، وهو تقييد المادة والرجوع في الزائد إلى الإطلاق، ولكن قد تقدم خطأ ذلك، وعرفتم أن رجوع القيد إلى المادة يباين رجوعه إلى الهيئة فليس الأول متيقنا، فإذا لا مناص من القول بالإجمال ودخول المقام في تلك الكبرى (3).
وأما ما أفاده (قدس سره) من أن رجوع القيد إلى المادة ولو كان ذلك في ضمن رجوعه إلى المادة المنتسبة متيقن فهو خاطئ جدا، وذلك لأن المراد من المادة المنتسبة هي المادة المتصفة بالوجوب، والمراد من تقييدها تقييد اتصافها به، ومن الواضح أن هذا عبارة أخرى عن تقييد مفاد الهيئة فلا يكون في مقابله، ولا مغايرة