المتقيدة إلى القبلة - مثلا - مقدورة، مع أن قيدها - وهو وجود القبلة - غير مقدور (1).
فالنتيجة: أن تقييد كل من الهيئة والمادة مشتمل على خصوصية مباينة لما اشتمل عليه الآخر من الخصوصية، فإن تقييد الهيئة مستلزم لأخذ القيد مفروض الوجود، وتقييد المادة مستلزم لكون التقيد به مطلوبا للمولى، وعلى ضوء هذا الأساس فليس في البين قدر متيقن لنأخذ به وندفع الزائد بالإطلاق.
وبكلمة أخرى: قد سبق في ضمن البحوث السالفة (2): أن معنى الإطلاق هو رفض القيود عن شئ وعدم ملاحظتها معه، لا وجودا ولا عدما، وعلى ذلك فمعنى إطلاق الهيئة: عدم اقتران مفادها عند اعتباره بوجود قيد ولا بعدمه، وفي مقابله تقييده بقيد فإن مرده إلى أن المجعول في طرفها هو حصة خاصة من الوجوب، وهي الحصة المقيدة بهذا القيد، ومعنى إطلاق المادة: هو أن الواجب ذات المادة من دون ملاحظة دخل قيد من القيود في مرتبة موضوعيتها للحكم، وفي مقابله تقييدها بخصوصية ما، فإن مفاده: هو أن المولى جعل حصة خاصة منها موضوعا للحكم ومتعلقا له، وهي الحصة المقيدة بهذه الخصوصية.
ومن هنا يظهر: أن النسبة بين تقييد المادة وتقييد الهيئة عموم من وجه، فيمكن أن يكون شئ قيدا لمفاد الهيئة دون المادة، وذلك كما إذا افترضنا أن القيام - مثلا - قيد لوجوب الصلاة دونها، فعندئذ جاز الإتيان بالصلاة جالسا بعد تحقق القيام، بل لا مانع من تصريح المولى بذلك بقوله: إذا قمت فصل قاعدا.
وكالاستطاعة فإنها قيد لوجوب الحج دون الواجب. ومن هنا لو استطاع شخص ووجب الحج عليه ولكنه بعد ذلك أزال الاستطاعة باختياره فحج متسكعا صح حجه وبرئت ذمته، فلو كانت الاستطاعة قيدا لنفس الحج أيضا لم يصح جزما، لفرض انتفاء قيده.