الشارع ذلك الحكم فيه، وإذا تبدل رأيه إلى رأي آخر كان من التبدل في الموضوع وانقلاب الحكم بانقلابه، ولا يعقل فيه كشف الخلاف أصلا، كيف؟ حيث لا واقع ما وراء رأيه.
وبكلمة أخرى: أن هذا القول يرتكز على أساس أنه لا مقتضى في الواقع من المصالح أو المفاسد قبل قيام الأمارة وتأديتها إلى شئ ليكون منشأ لجعل الحكم فيه، وإنما تحدث المصلحة أو المفسدة في فعل بسبب قيام أمارة على وجوبه أو على حرمته، ولذا جعل الشارع الحكم على طبق ما أدت إليه.
فالنتيجة: أن مرد القول بهذه السببية إلى خلو صفحة الواقع عن الحكم قبل تأدية الأمارة إليه وقيامها عليه، فلا يكون في حق الجاهل مع قطع النظر عنها حكم أصلا.
الثاني: ما نسب إلى المعتزلة، وهو: أن يكون قيام الأمارة سببا لكون الحكم الواقعي بالفعل هو المؤدي، وذلك لأن قيام الأمارة يوجب إحداث مصلحة أو مفسدة في متعلقه، وحيث إن الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد في متعلقاتها فبطبيعة الحال ينحصر الحكم الواقعي الفعلي فيه (1).
وبكلمة أخرى: أن المعتزلة قد اعترفت بثبوت الأحكام الواقعية في الشريعة المقدسة المشترك فيها بين العالم والجاهل. ولكن على الرغم من ذلك تقول بانحصار الأحكام الواقعية الفعلية في مؤديات الحجج والأمارات، ولا حكم في غيرها إلا شأنا واقتضاء.
بيان ذلك: هو أن الأمارة القائمة على شئ لا تخلو من أن تكون مطابقة للواقع، أو تكون مخالفة له. فعلى الأول فهي توجب فعلية الواقع فحسب. وعلى الثاني فحيث إنها توجب إحداث مصلحة في المؤدى أقوى من مصلحة الواقع، فهي بطبيعة الحال كما توجب اضمحلال مصلحة الواقع وجعلها بلا أثر كذلك توجب جعل الحكم على طبقها.