فالنتيجة: أنها توجب انقلاب الواقع وتغييره وجعل المؤدى على خلافه.
ثم إن السببية بهذا المعنى تمتاز عن السببية بالمعنى الأول في نقطة، وتشترك معها في نقطة أخرى.
أما نقطة الامتياز: فهي أن الأولى تقوم على أساس اختصاص الأحكام الواقعية بالعالمين بها، وعدم ثبوت الحكم في حق الجاهل، ولذا لا يتصور على ضوئها الخطأ في آراء المجتهدين، حيث لا واقع ما عداها. والثانية تقوم على أساس ثبوت الواقع المشترك بين العالم والجاهل، ولذا تختص سببيتها لجعل المؤدى في صورة المخالفة فحسب.
وأما نقطة الاشتراك: فهي أنهما تشتركان في اختصاص الأحكام الواقعية الفعلية بمؤديات الأمارات، فلا حكم واقعي فعلي في غيرها أصلا.
الثالث: ما نسب (1) إلى بعض الإمامية، وهو: أن يكون قيام الأمارة سببا لإحداث المصلحة في السلوك على طبق الأمارة وتطبيق العمل على مؤداها، مع بقاء الواقع على ما هو عليه من دون أن يوجب التغيير والانقلاب فيه أصلا، فلو قامت الأمارة على وجوب صلاة الجمعة في يوم الجمعة - مثلا - وفرضنا أن الواجب في الواقع هو صلاة الظهر لم توجب تغيير الواقع وانقلابه وجعل غير الواجب واجبا، بل الواجب الواقعي باق على ما كان عليه رغم أن الأمارة قامت على خلافه. كما أن صلاة الجمعة بقيت على ما كانت عليه من عدم الوجوب في الواقع، فوجود الأمارة وعدمها بالإضافة إلى الواقع على نسبة واحدة.
نعم، هذه الأمارة سبب لحدوث مصلحة في السلوك على وفقها، وبها يتدارك ما فات من مصلحة الواقع.
وعلى الجملة: فكما لا دخل للأمارة في جعل الأحكام فكذلك لا دخل لها في فعليتها، فالأحكام الواقعية فعلية رغم قيام الأمارات على خلافها فلا تتغير به.
والسر في ذلك: هو أن قيام الأمارة لو كان موجبا لحدوث المصلحة في المودى