فالموضوع للأصل العملي موجود حقيقة، وهو الشك في الحكم الواقعي.
ومن ناحية ثالثة: أن انكشاف الخلاف في الحجية أمر غير معقول، والتبدل فيها دائما يكون من التبدل في الموضوع وارتفاع الحكم بارتفاعه، لا عدم ثبوته من الأول كما هو واضح.
وإن شئت قلت: إن المقام نظير النسخ في الأحكام الشرعية، فكما أن حقيقة النسخ انتهاء الحكم بانتهاء أمده ومدة عمره وثبوت الحكم حقيقة قبل انتهائه فكذلك حجية الأمارة الأولى، فإنها منتهية بانتهاء أمدها ومدة عمرها، وهو الظفر بالحجة الثانية ووصولها، حيث إنها ثابتة حقيقة قبل ذلك. والسبب في ذلك: هو ما عرفت من أن اتصاف الأمارة بالحجة متقومة بالوصول إلى المكلف بصغراها وكبراها فمتى ما وصلت إليه كذلك اتصفت بالحجية، وإلا لم يعقل اتصافها بها (1).
وعلى هذا، فالحجة الثانية ما لم تصل إلى المكلف لا يعقل كونها مانعة عن اتصاف الحجة السابقة بها، ولا توجب رفع اليد عنها أصلا، وذلك لفرض أنها قبل وصولها لم تكن حجة لتكون مانعة عن حجيتها ورافعة لها، فإذا وصلت فبطبيعة الحال كانت رافعة لحجيتها من حين الوصول، لفرض أن اتصافها بالحجية من هذا الحين فلا يعقل أن تكون رافعة لها قبله، فإذا لا مانع من اتصافها بالحجية في وقتها وقبل الظفر بحجية الحجة الثانية، ولا مزاحم لها في هذه الفترة من الزمن، ولا موجب لرفع اليد عنها في تلك الفترة.
فالنتيجة على ضوء هذه النواحي: هي أنه لا مناص من الالتزام بصحة الأعمال الماضية المطابقة مع الحجة السابقة، ولا موجب لإعادتها أو قضائها في الوقت أو خارجه، لفرض أنها صادرة عن المكلف على طبق الحجة في ظرفها واقعا، ومعه لا مقتضى لبطلانها أصلا، ومن البديهي أن الشئ لا ينقلب عما وقع عليه.
ولنأخذ بالنقد عليه بيان ذلك: أن مقتضى الأمارة الثانية - سواء فيها القول باتصافها بالحجة الفعلية من الأول، أو القول باتصافها بها كذلك من حين وصولها