فإذا كانت السابقة متصفة بالحجية في ظرفها - كما هو المفروض - فكيف يعقل كشف اللاحقة عن عدم حجيتها فيه؟ فالتبدل في الحجية من التبدل في الموضوع، لا من كشف الخلاف وعدم الثبوت في الواقع، وعليه فلا وجه لبطلان الأعمال الماضية المستندة إلى الحجة السابقة.
وبكلمة أخرى: أن الواقع كما هو مجهول له في ظرف اجتهاده الأول كذلك هو مجهول في ظرف اجتهاده الثاني، فلا فرق بينهما من هذه الناحية أصلا، فقيام الحجة الثانية على خلاف الأولى لا يعين بمؤداها الواقع الحقيقي لكي يستلزم خطأ الأولى وعدم مطابقتها للواقع، بداهة أنه كما يحتمل خطأ الأولى وعدم مطابقة مؤداها للواقع كذلك يحتمل خطأ الثانية وعدم مطابقة مؤداها له، فهما من هذه الناحية على نسبة واحدة، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: أنا قد ذكرنا في غير مورد: أن الأثر إنما يترتب على الحجية الفعلية الواصلة إلى المكلف صغرى وكبرى، وهو تنجيز الواقع عند المصادفة، والتعذير عند الخطأ وصحة الإسناد والاستناد. وأما الحجية المجعولة في مرحلة الإنشاء التي لم تصل إلى المكلف صغرى وكبرى فلا أثر لها أصلا. مثلا:
إذا علم بحجية البينة في الشريعة المقدسة وعلم بقيامها عل نجاسة شئ تترتب عليها آثارها، وهي التنجيز والتعذير وصحة الإسناد والاستناد. وأما إذا علم بحجيتها ولكن لم يعلم بقيامها على نجاسته في الخارج، أو علم بقيامها عليها ولكنه لم يعلم بحجيتها في الشريعة المقدسة لم يترتب عليها تنجيز نجاسة ذلك الموضوع الخارجي، بل تبقى مشكوكة فالمرجع فيها الأصول العملية من الاستصحاب أو قاعدة الطهارة (1).
وعلى الجملة: فالحجية متقومة بالوصول، فإن وصلت إلى المكلف صغرى وكبرى لم يبق موضوع للأصل العملي، وإن لم تصله ولو بإحدى مقدمتيها