وإجمال الكلام: أن كل شئ سواء كان من الأمور الطبيعية، أو كان من الأمور الاختراعية والاعتبارية، ذو نشأتين: نشأة تقدير وتدبير، ونشأة التكوين والتشخص والخارج.
فإذا لوحظ الشئ في النشأة الأولى، فيقدر له الأجزاء والشرائط والأفعال والآثار والخواص والحدود والكيفيات، وتكون تلك الخصوصيات داخلة في طبيعته النوعية، لا بما أنها أجزاء ذاتية، بل بما أنها حدودها اللازمة في الطبيعة الكاملة النوعية، فإن جميع المقولات والضمائم مما تقدر في تلك النشأة وهي النشأة العلمية، كما يقدر المهندس في النشأة الذهنية جميع خصوصيات البيت وتبعاته من الأمور الدخيلة في كماله.
ثم بعد التقدير المزبور حسب الطبيعة النوعية، يشرع في أن تصير هذه الطبيعة موجودة بالوجود الخارجي، وتصير خارجية وفي الأعيان، فإذا كان ما في الخارج من الأعيان، عين ما في العلم والذهن من التقادير، يكون الخارج كاملا وجامعا وتاما وصحيحا وسالما، وإلا فيتوجه إليه تارة وصف " النقصان " أو وصف " الفساد " أو " البطلان " أو " المعيب " وكل ذلك مفهوم غير مفهوم الآخر، وهكذا في مقابلاتها، إلا أن مناشئ هذه التوصيفات المختلفة ربما تكون متفاوتة وغير واحدة.
مثلا: إذا قلنا: " إن عقل زيد ناقص " فهو باعتبار الأثر المرغوب منه والمقدر له في الطبيعة النوعية وفي النشأة العلمية، وإذا قلنا: " إن البدن ناقص " فهو بلحاظ الكمية والكيفية، وإذا قلنا: " معيب " فهو بلحاظ النقصان أو الزيادة على المقدر النوعي في تلك النشأة، وإذا قلنا: " فاسد " فهو بلحاظ الأخلاق والاعتقاد والمقدر له على الحساب المزبور، وإذا قلنا: " إنه باطل عاطل " فهو بلحاظ الأثر المرغوب منه من العمل المفيد والفعالية الاجتماعية.
وأما إذا كان كامل العيار، وإنسانا كاملا من جميع الجهات المقدرة له في