من ظله وشملهم من فضله، وأباحهم من مراتعه وسوغهم من شرايعه، ليستمر نفاق سوقهم ويشمروا للاجتهاد فيه عن سوقهم، دلت ألفاظه الكريمة على استدعاء ما يكون تذكرة لأهل الوداد وعهدا يجدد به ما اختلقته يد العباد، فعند ذلك أحببت أن أدخل فيمن سارع إلى امتثال أوامره لأكون في جملة من شرفه بذكره وتخطره بخواطره، فأقول:
إن الشعر من أفضل مشاعر الأدب وأجمل مفاخر العرب، به تستماح المكارم وتستعطف الطباع الغواشم، وتشحذ الأذهان وتستل الأضغان، ويستصلح الرأي الفاسد وتستثأر الهمم الجوامد، لكنه عسر المطلب خطر المركب، لافتقاره إلى أمور غريزية وأخرى كسبية، وهي شديدة الامتناع بعيدة الاجتماع، فالمعتذر عن التعرض له معذور والمعترف بالقصور عنه مشكور، وقد كنت زمن الحداثة أتعرض لشئ منه ليس بالمرضي فكتبت أبياتا إلى والدي - رحمه الله - أثني فيها على نفسي بجهل الصبوة، وهي:
ليهنك أني كل يوم إلى العلى * أقدم رجلا لا تزل بها النعل وغير بعيد أن تراني مقدما * على الناس طراليس في الناس لي مثل تطاوعني بكر المعاني وعونها * وتنقاد لي حتى كأني لها بعل ويشهد لي بالفضل كل مبرز * ولا فاضل إلا ولي فوقه فضل فكتب - رحمه الله - فوق هذه الأبيات ما صورته:
لئن أحسنت في شعرك لقد أسأت في حق نفسك، أما علمت أن الشعر صناعة من خلع العفة وليس الحرفة، والشاعر ملعون وإن أصاب، ومنقوص وإن أتى بالشئ العجاب، وكأني بك قد أوهمك الشيطان فضيلة الشعر، فجعلت تنفق ما تلفق بين جماعة لم يعرفوا لك فضيلة غيره فسموك به، وكان ذلك وصمة عليك أخر الدهر، ألم تسمع:
ولست أرضى أن يقال شاعر * تبا لها من عدد الفضائل فوقف خاطري عند ذلك حتى كأني لم أقرع له بابا ولم أرفع له حجابا، وأكد