وكانت هذه الحالة في تجريد المتون العلمية من الإضافات والزوائد تؤدي في الغالب إلى الاخلال بالجانب البياني. و " الشرائع " واحد من أهم المتون الفقهية، لكن المحقق الحلي - رحمه الله - أعطى للجانب البياني اهتماما خاصا في تدوين هذا الكتاب وأول ما يأخذ الانسان في هذا الكتاب جزالة الألفاظ مع الوجازة والاختصار وقوة التعبير ومتانة واستقامة اللغة وسلامتها، وكان القارئ يسرح النظر في متن من المتون الأدبية المعروفة، وليس في متن فقهي لا تنقاد له اللغة إلا بمشقة وجهد، فاقرأ ما شئت من هذا الكتاب وأينما وقع نظرك عليه تجد الجانب البياني يملأ العين والذوق، ولا أحب أن أقتطع من الكتاب شاهدا على ذلك لأن الكتاب كله شاهد على ما أقول على أن الكتاب كثير التفريعات ولعل هذا الكتاب بعد كتاب " المبسوط " للشيخ الطوسي أكثر الكتب الفقهية فروعا على أن " المبسوط " لا يعد متنا فقهيا ولكن " الشرائع " من المتون.
وجانب آخر لا ينبغي أن نهمله في دراسة هذا الكتاب هو بصر المؤلف بالفقه، فالمحقق الحلي يملك حسا مرهفا في فهم النص. وله اطلاع واسع بأقوال الفقهاء، وبين هذا وذاك هو فقيه دقيق ثاقب النظر سليم الذوق سليم الاختيار، وليس كتابه فقط خاليا من حشو الألفاظ وزوائده، وإنما يخلو كتابه أيضا من حشو المعاني وزوائده ومن الاختيارات الضعيفة.
ولعل هذه الميزات مجتمعة جعلت هذا الكتاب متنا فقهيا يولع فيه الأصحاب منذ أن ألفه المحقق إلى اليوم كما يقول العلامة الطهراني (1) شروح الفقهاء على " شرائع الاسلام ":
أصبح هذا الكتاب - كما قلنا - محورا للإفادة والاستفادة والتحقيق والشرح