قال الواحدي: قال المفسرون: أو انقص من النصف قليلا إلى الثلث، أو زد على النصف إلى الثلثين، جعل له سعة في مدة قيامه في الليل وخيره في هذه الساعات للقيام، فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وطائفة معه يقومون على هذه المقادير، وشق ذلك عليهم، فكان الرجل لا يدري كم صلى أو كم بقي من الليل، فكان يقوم الليل كله حتى خفف الله عنهم، وقيل الضميران في منه وعليه راجعان للأقل من النصف، كأنه قال: قم أقل من نصفه أو قم أنقص من ذلك الأقل، أو أزيد منه قليلا، وهو بعيد جدا، والظاهر أن نصفه بدل من قليلا، والضميران راجعان إلى النصف المبدل من قليلا.
واختلف في الناسخ لهذا الأمر، فقيل هو قوله " إن ربك يعلم إنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه " إلى آخر السورة، وقيل هو قوله " علم أن لن تحصوه " وقيل هو قوله " علم أن سيكون منكم مرضى " وقيل هو منسوخ بالصلوات الخمس، وبهذا قال مقاتل والشافعي وابن كيسان، وقيل هو قوله - فاقرءوا ما تيسر منه - وذهب الحسن وابن سيرين إلى أن صلاة الليل فريضة على كل مسلم ولو قدر حلب شاة (ورتل القرآن ترتيلا) أي اقرأه على مهل مع تدبر. قال الضحاك: أقرأه حرفا حرفا. قال الزجاج: هو أن يبين جميع الحروف، ويوفي حقها من الإشباع. وأصل الترتيل التنضيد والتنسيق وحسن النظام، وتأكيد الفعل بالمصدر يدل على المبالغة على وجه لا يلتبس فيه بعض الحروف ببعض، ولا ينقص من النطق بالحرف من مخرجه المعلوم مع استيفاء حركته المعتبرة (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) أي سنوحي إليك القرآن وهو قول ثقيل. قال قتادة: ثقيل والله فرائضه وحدوده. قال مجاهد: حلاله وحرامه. قال الحسن: العمل به. قال أبو العالية: ثقيلا بالوعد والوعيد والحلال والحرام. وقال محمد بن كعب: ثقيل على المنافقين والكفار لما فيه من الاحتجاج عليهم والبيان لضلالهم وسب آلهتم. وقال السدي: ثقيل بمعنى كريم من قولهم فلان ثقيل على: أي يكرم على. قال الفراء: ثقيلا رزينا ليس بالخفيف السفساف، لأنه كلام ربنا. وقال الحسين بن الفضل: ثقيلا لا يحمله إلا قلب مؤيد بالتوفيق ونفس مزينة بالتوحيد، وقيل وصفه بكونه ثقيلا حقيقة لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أوحى إليه وهو على ناقته وضعت جرانها على الأرض فما تستطيع أن تتحرك حتى يسرى عنه (إن ناشئة الليل) أي ساعاته وأوقاته، لأنها تنشأ أولا فأولا، يقال نشأ الشئ ينشأ: إذا ابتدأ وأقبل شيئا بعد شئ فهو ناشئ، وأنشأه الله فنشأ، ومنه نشأت السحاب: إذا بدأت، فناشئة فاعلة من نشأ ينشأ فهي ناشئة. قال الزجاج: ناشئة الليل كل ما نشأ منه: أي حدث، فهو ناشئة. قال الواحدي: قال المفسرون: الليل كله ناشئة، والمراد أن ساعات الليل الناشئة، فاكتفى بالوصف عن الاسم الموصوف. وقيل إن ناشئة الليل هي النفس التي ننشأ من مضجعها للعبادة: أي تنهض، من نشأ من مكانه: إذا نهض. وقيل الناشئة بالحبشية قيام الليل، وقيل إنما يقال لقيام الليل ناشئة إذا كان بعد نوم. قال ابن الأعرابي: إذا نمت من أول الليل ثم قمت فتلك المنشأة والنشأة، ومنه ناشئة الليل.
قيل وناشئة الليل هي ما بين المغرب والعشاء، لأن معنى نشأ ابتدأ، ومنه قول نصيب:
ولولا أن يقال صبا نصيب * لقلت بنفسي النشء الصغارا * قال عكرمة وعطاء: إن ناشئة الليل بدو الليل. وقال مجاهد وغيره: هي في الليل كله، لأنه ينشأ بعد النهار، واختار هذا مالك. وقال ابن كيسان: هي القيام من آخر الليل. قال في الصحاح: ناشئة الليل أول ساعاته.
وقال الحسن: هي ما بعد العشاء الآخرة إلى الصبح (هي أشد وطأ) قرأ الجمهور " وطأ " بفتح الواو وسكون الطاء