سورة ن (12 - 16) قوله (ن) قرأ أبو بكر وورش وابن عامر والكسائي وابن محيصن وابن هبيرة بإدغام النون الثانية من هجائها في الواو، وقرأ الباقون بالإظهار، وقرأ أبو عمرو وعيسى بن عمر بالفتح على إضمار فعل. وقرأ ابن عامر ونضر وابن إسحاق بكسرها على إضمار القسم، أو لأجل التقاء الساكنين، وقرأ محمد بن السميفع وهارون بضمها على البناء. قال مجاهد ومقاتل والسدي: هو الحوت الذي يحمل الأرض وبه قال مرة الهمذاني وعطاء الخراساني والكلبي. وقيل إن نون آخر حرف من حروف الرحمن. وقال ابن زيد: هو قسم أقسم الله به. وقال ابن كيسان:
هو فاتحة السورة. وقال عطاء وأبو العالية: هي النون من نصر وناصر. قال محمد بن كعب: أقسم الله تعالى بنصره المؤمنين، وقيل هو حرف من حروف الهجاء، كالفواتح الواقعة في أوائل السور المفنتحة بذلك، وقد عرفناك ما هو الحق في مثل هذه الفواتح في أول سورة البقرة، والواو في قوله (والقلم) واو القسم، أقسم الله بالقلم لما فيه من البيان وهو واقع على كل قلم يكتب به، وقال جماعة من المفسرين: المراد به القلم الذي كتب به اللوح المحفوظ، أقسم الله به تعظيما له. قال قتادة: القلم من نعمة الله على عباده (وما يسطرون) ما موصولة:
أي والذي يسطرون، والضمير عائد إلى أصحاب القلم المدلول عليهم بذكره، لأن ذكر آلة الكتابة تدل على الكاتب. والمعنى: والذي يسطرون: أي يكتبون كل ما يكتب، أو الحفظة على ما تقدم. ويجوز أن تكون ما مصدرية: أي وسطرهم، وقيل الضمير راجع إلى القلم خاصة من باب إسناد الفعل إلى الآلة وإجرائها مجرى العقلاء، وجواب القسم قوله (ما أنت بنعمة ربك بمجنون) ما نافية، وأنت اسمها، وبمجنون خبرها. قال الزجاج: أنت هو اسم ما، وبمجنون خبرها، وقوله (بنعمة ربك) كلام وقع في الوسط: أي انتفى عنك الجنون بنعمة ربك، كما يقال أنت بحمد الله عاقل، قيل الباء متعلقة بمضمر هو حال، كأنه قيل أنت برئ من الجنون ملتبسا بنعمة الله التي هي النبوة والرياسة العامة. وقيل الباء للقسم: أي وما أنت ونعمة ربك بمجنون. وقيل النعمة هنا الرحمة، والآية رد على الكفار حيث قالوا - يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون - (وإن لك لأجرا أي ثوابا على ما تحملت من أثقال النبوة، وقاسيت من أنواع الشدائد (غير ممنون) أي غير مقطوع، يقال مننت الحبل إذا قطعته. وقال مجاهد: غير ممنون غير محسوب، وقال الحسن: غير ممنون غير مكدر بالمن. وقال الضحاك:
أجرا بغير عمل، وقيل غير مقدر، وقيل غير ممنون به عليك من جهة الناس (وإنك لعلى خلق عظيم) قيل هو الإسلام والدين، حكى هذا الواحدي على الأكثرين. وقيل هو القرآن، روى هذا عن الحسن والعوفي. وقال قتادة: هو ما كان يأتمر به من أمر الله وينتهى عنه من نهى الله. قال الزجاج: المعنى إنك على الخلق الذي أمرك الله به في القرآن، وقيل هو رفقه بأمته وإكرامه إياهم، وقيل المعنى: إنك على طبع كريم. قال الماوردي: وهذا هو الظاهر، وحقيقة الخلق في اللغة ما يأخذ الإنسان نفسه به من الأدب. وقد ثبت في الصحيح عن عائشة أنها سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: كان خلقه القرآن، وهذه الجملة والتي قبلها معطوفتان على جملة جواب القسم (فستبصر ويبصرون) أي ستبصر يا محمد ويبصر الكفار إذا تبين الحق وانكشف الغطاء وذلك يوم القيامة (بأيكم المقتون) الباء زائدة للتأكيد: أي أيكم المفتون بالجنون، كذا قال الأخفش وأبو عبيدة وغيرهما، ومثله قول الشاعر: