لأنها تغفر ذنوبه ولا يحاسب بها. وقال المفسرون: هو أن تعرض عليه سيئاته ثم يغفرها الله، فهو الحساب اليسير (وينقلب إلى أهله مسرورا) أي وينصرف بعد الحساب اليسير إلى أهله الذين هم في الجنة من عشيرته، أو إلى أهله الذين كانوا له في الدنيا من الزوجات والأولاد وقد سبقوه إلى الجنة، أو إلى من أعده الله له في الجنة من الحور العين والوالدان المخلدين، أو إلى جميع هؤلاء مسرورا مبتهجا بما أوتى من الخير والكرامة (وأما من أوتى كتابه وراء ظهره) قال الكلبي: لأن يمينه مغلولة إلى عنقه، وتكون يده اليسرى خلفه. وقال قتادة ومقاتل:
تفك ألواح صدره وعظامه، ثم تدخل يده وتخرج من ظهره فيأخذ كتابه كذلك (فسوف يدعوا ثبورا) أي إذا قرأ كتابه قال: يا ويلاه يا ثبوراه، والثبور الهلاك (ويصلى سعيرا) أي يدخلها ويقاسي حر نارها وشدتها. قرأ أبو عمرو وحمزة وعاصم بفتح الياء وسكون الصاد وتخفيف اللام. وقرأ الباقون بضم الياء وفتح اللام وتشديدها، وروى إسماعيل المكي عن ابن كثير وكذلك خارجة عن نافع وكذلك روى إسماعيل المكي عن ابن كثير أنهم قرءوا بضم الياء وإسكان الصاد من أصلى يصلى (إنه كان في أهله مسرورا) أي كان بين أهله في الدنيا مسرورا باتباع هواه وركوب شهوته بطرا أشرا لعدم خطور الآخرة بباله، والجملة تعليل لما قبلها، وجملة (إنه ظن أن لن يحور) تعليل لكونه كان في الدنيا في أهله مسرورا، والمعنى: أن سبب ذلك السرور ظنه بأنه لا يرجع إلى الله ولا يبعث للحساب والعقاب لتكذيبه بالبعث وجحده للدار الآخرة، وأن في قوله (أن لن يحور) هي المخففة من الثقيلة سادة مع ما في حيزها مسد مفعولي ظن، والحور في اللغة: الرجوع، يقال حار يحور: إذا رجع، وقال الراغب: الحور التردد في الأمر، ومنه نعوذ بالله من الحور بعد الكور: أي من التردد في الأمر بعد المضي فيه، ومحاورة الكلام مراجعته، والمحار المرجع والمصير. قال عكرمة وداود بن أبي هند: يحور كلمة بالحبشية ومعناها يرجع. قال القرطبي: الحور في كلام العرب: الرجوع، ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم " اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور " يعني من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة، وكذلك الحور بالضم، وفي المثل حور في محار: أي نقصان في نقصان، ومنه قول الشاعر: والدم يسفى وراد القوم في حور * والحور أيضا الهلكة، ومنه قول الراجز: في بئر لا حور سرا وما شعر قال أبو عبيدة: أي في بئر حور، ولا زائدة (بلى إن ربه كان به بصيرا) بلى إيجاب للمنفي بلن: أي بلى ليحورن وليبعثن. ثم علل ذلك بقوله (إن ربه كان به بصيرا) أي كان به وبأعماله عالما لا يخفى عليه منها خافية. قال الزجاج: كان به بصيرا قبل أن يخلقه عالما بأن مرجعه إليه (فلا أقسم بالشفق) لا زائدة، كما تقدم في أمثال هذه العبارة، وقد قدمنا الاختلاف فيها في سورة القيامة فارجع إليه، والشفق: الحمرة التي تكون بعد غروب الشمس إلى وقت صلاة العشاء الآخرة.
قال الواحدي: هذا قول المفسرين وأهل اللغة جميعا. قال الفراء: سمعت بعض العرب يقول: عليه ثوب مصبوغ كأنه الشفق وكان أحمر، وحكاه القرطبي عن أكثر الصحابة والتابعين والفقهاء. وقال أسد بن عمر وأبو حنيفة:
في إحدى الروايتين عنه إنه البياض، ولا وجه لهذا القول ولا متمسك له لا من لغة العرب ولا من الشرع. قال الخليل: الشفق الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة. قال في الصحاح: الشفق بقية ضوء الشمس وحمرتها في أول الليل إلى قريب العتمة، وكتب اللغة والشرع مطبقة على هذا، ومنه قول الشاعر:
قم يا غلام أعني غير مرتبك * على الزمان بكأس حشوها شفق وقال آخر: أحمر اللون كحمرة الشفق * وقال مجاهد: الشفق النهار كله ألا تراه قال (والليل وما وسق وقال عكرمة: هو ما بقي من النهار، وإنما قالا هذا لقوله بعده (والليل وما وسق) فكأنه تعالى أقسم بالضياء