أقسم سبحانه بهذه الأمور، وله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته، وقال قوم: إن القسم بهذه الأمور ونحوها مما تقدم ومما سيأتي هو على حذف مضاف: أي (و) رب (الشمس) ورب القمر، وهكذا سائرها، ولا ملجئ إلى هذا ولا موجب له، وقوله (وضحاها) هو قسم ثان قال مجاهد: وضحاها: أي ضوئها وإشراقها، وأضاف الضحى إلى الشمس لأنه إنما يكون عند ارتفاعها، وكذا قال الكلبي. وقال قتادة: ضحاها نهارها كله. قال الفراء: الضحى هو النهار. وقال المبرد: أصل الضحى الصبح، وهو نور الشمس، قال أبو الهيثم: الضحى نقيض الظل، وهو نور الشمس على وجه الأرض، وأصله الضحى فاستثقلوا الياء فقلبوها ألفا. قيل والمعروف عند العرب أن الضحى إذا طلعت الشمس وبعيد ذلك قليلا، فإذا زاد فهو الضحاء بالمد. قال المبرد: الضحى والضحوة مشتقان من الضح وهو النور، فأبذلت الألف والواو من الحاء.
واختلف في جواب القسم ماذا هو؟ فقيل هو قوله (قد أفلح من زكاها) قاله الزجاج وغيره. قال الزجاج:
وحذفت اللام، لأن الكلام قد طال، فصار طوله عوضا منها، وقيل الجواب محذوف: أي والشمس، وكذا لتبعثن، وقيل تقديره: ليدمدمن الله على أهل مكة لتكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما دمدم على ثمود لأنهم كذبوا صالحا، وأما (قد أفلح من زكاها) فكلام تابع لقوله (فألهمها فجورها وتقواها) على سبيل الاستطراد، وليس من جواب القسم في شئ، وقيل هو على التقديم والتأخير بغير حذف، والمعنى: قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها والشمس وضحاها، والأول أولى (والقمر إذا تلاها) أي تبعها، وذلك بأن طلع بعد غروبها، يقال تلا يتلو تلوا: إذا تبع. قال المفسرون: وذلك في النصف الأول من الشهر إذا غربت الشمس تلاها القمر في الإضاءة وخلفها في النور. قال الزجاج: تلاها حين استدار، فكان يتلو الشمس في الضياء والنور، يعني إذا كمل ضوءه فصار تابعا للشمس في الإنارة، يعني كان مثلها في الإضاءة، وذلك في الليالي البيض. وقيل إذا تلا طلوعه طلوعها. قال قتادة: إن ذلك ليلة الهلال إذا سقطت رؤي الهلال. قال ابن زيد: إذا غربت الشمس في النصف الأول من الشهر تلاها القمر بالطلوع، وفي آخر الشهر يتلوها بالغروب، وقال الفراء تلاها أخذ منها: يعني أن القمر يأخذ من ضوء الشمس (والنهار إذا جلاها) أي جلى الشمس، وذلك أن الشمس عند انبساط النهار تنجلي تمام الانجلاء، فكأنه جلاها مع أنها الذي تبسطه. وقيل الضمير عائد إلى الظلمة: أي جلى الظلمة، وإن لم يجر للظلمة ذكر لأن المعنى معروف. قال الفراء: كما تقول أصبحت باردة:
أي أصبحت غداتنا باردة، والأول أولى. ومنه قول قيس بن الحطيم:
تجلت لنا كالشمس تحت غمامة * بدا حاجب منها وضنت بحاجب وقيل المعنى: جلى ما في الأرض من الحيوانات وغيرها بعد أن كانت مستترة في الليل، وقيل جلى الدنيا وقيل جلى الأرض (والليل إذا يغشاها) أي يغشى الشمس فيذهب بضوئها فتغيب وتظلم الآفاق، وقيل يغشى الآفاق.
وقيل الأرض، وإن لم يجر لهما ذكر لأن ذلك معروف، والأول أولى (والسماء وما بناها) يجوز أن تكون ما مصدرية أي والسماء وبنيانها، ويجوز أن تكون موصولة: أي والذي بناها، وإيثار " ما " على من لإرادة الوصفية