قوله (اقتربت الساعة وانشق القمر) أي قربت ولا شك أنها قد صارت باعتبار نسبة ما بقي بعد قيام النبوة المحمدية إلى ما مضى من الدنيا قريبة. ويمكن أن يقال إنها لما كانت متحققة الوقوع لا محالة كانت قريبة، فكل آت قريب (وانشق القمر) أي وقد انشق القمر، وكذا قرأ حذيفة بزيادة قد، والمراد الانشقاق الواقع في أيام النبوة معجزة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإلى هذا ذهب الجمهور من السلف والخلف. قال الواحدي:
وجماعة المفسرين على هذا إلا ما روى عثمان بن عطاء عن أبيه أنه قال: المعنى سينشق القمر، والعلماء كلهم على خلافه. قال: وإنما ذكر اقتراب الساعة مع انشقاق القمر، لأن انشقاقه من علامات نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونبوته وزمانه من أشراط اقتراب الساعة. قال ابن كيسان: في الكلام تقديم وتأخير: أي انشق القمر واقتربت الساعة. وحكى القرطبي عن الحسن مثل قول عطاء أنه الانشقاق الكائن يوم القيامة. وقيل معنى وانشق القمر: وضح الأمر وظهر، والعرب تضرب بالقمر المثل فيما وضح. وقيل انشقاق القمر هو انشقاق الظلمة عنه وطلوعه في أثنائها كما يسمى الصبح فلقا لانفلاق الظلمة عنه. قال ابن كثير: قد كان الانشقاق في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة. قال: وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أن انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات. قال الزجاج: زعم قوم عندوا عن القصد وما عليه أهل العلم أن تأويله أن القمر ينشق يوم القيامة، والأمر بين في اللفظ وإجماع أهل العلم، لأن قوله (وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) يدل على أن هذا كان في الدنيا لا في القيامة انتهى، ولم يأت من خالف الجمهور وقال إن الانشقاق سيكون يوم القيامة إلا بمجرد استبعاد، فقال: لأنه لو انشق في زمن النبوة لم يبق أحد إلا رآه لأنه آية، والناس في الآيات سواء، ويجاب عنه بأنه لا يلزم أن يراه كل أحد لا عقلا ولا شرعا ولا عادة، ومع هذا فقد نقل إلينا بطريق التواتر، وهذا بمجرده يدفع الاستبعاد، ويضرب به في وجه قائله.
والحاصل أنا إذا نظرنا إلى كتاب الله، فقد أخبرنا بأنه انشق، ولم يخبرنا بأنه سينشق، وإن نظرنا إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد ثبت في الصحيح وغيره من طرق متواترة أنه قد كان ذلك في أيام النبوة، وإن نظرنا إلى أقوال أهل العلم فقد اتفقوا على هذا، ولا يلتفت إلى شذوذ من شذ واستبعاد من استبعد، وسيأتي ذكر بعض ما ورد في ذلك إن شاء الله (وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) قال الواحدي: قال المفسرون:
لما انشق القمر قال المشركون سحرنا محمد، فقال الله (وإن يروا آية) يعني انشقاق القمر يعرضوا عن التصديق والإيمان بها، ويقولوا سحر قوى شديد يعلو كل سحر، من قولهم استمر الشئ: إذا قوى واستحكم، وقد قال بأن معنى مستمر: قوي شديد جماعة من أهل العلم، قال الأخفش: هو مأخوذ من إمرار الحبل، وهو شدة فتله، وبه قال أبو العالية والضحاك، واختاره النحاس، ومنه قول لقيط:
حتى استمر على شر لا يزنه * صدق العزيمة لا رثا ولا ضرعا وقال الفراء والكسائي وأبو عبيدة (سحر مستمر) أي ذاهب، من قولهم مر الشئ واستمر إذا ذهب، وبه قال قتادة ومجاهد وغيرهما، واختاره النحاس. وقيل معنى مستمر: دائم مطرد، ومنه قول الشاعر:
ألا إنما الدنيا ليال وأعصر * وليس على شئ قديم بمستمر أي بدائم باق، وقيل مستمر باطل، روى هذا عن أبي عبيدة أيضا. وقيل يشبه بعضه بعضا، وقيل قد مر من