قوله (إذا وقعت الواقعة) الواقعة اسم للقيامة كالآزفة وغيرها، وسميت واقعة لأنها كائنة لا محالة، أو لقرب وقوعها، أو لكثرة ما يقع فيها من الشدائد، وانتصاب إذا بمضمر: أي أذكر وقت وقوع الواقعة، أو بالنفي المفهوم من قوله (ليس لوقعتها كاذبة) أي لا يكون عند وقوعها تكذيب، والكاذبة مصدر كالعاقبة: أي ليس لمجيئها وظهورها كذب أصلا، وقيل إذا شرطية وجوابها مقدر: أي إذا وقعت كان كيت وكيت، والجواب هذا هو العامل فيها، وقيل إنها شرطية، والعامل فيها الفعل الذي بعدها، واختار هذا أبو حيان، وقد سبقه إلى هذا مكي فقال: والعامل وقعت. قال المفسرون: والواقعة هنا هي النفخة الآخرة، ومعنى الآية: أنها إذا وقعت النفخة الآخرة عند البعث لم يكن هناك تكذيب بها أصلا، أو لا يكون هناك نفس تكذب على الله وتكذب بما أخبر عنه من أمور الآخرة. قال الزجاج: ليس لوقعتها كاذبة: أي لا يردها شئ، وبه قال الحسن وقتادة. وقال الثوري: ليس لوقعتها أحد يكذب بها. وقال الكسائي: ليس لها تكذيب: أي لا ينبغي أن يكذب بها أحد (خافضة رافعة) قرأ الجمهور برفعهما على إضمار مبتدإ: أي هي خافضة رافعة. وقرأ الحسن وعيسى الثقفي بنصبهما على الحال. قال عكرمة والسدي ومقاتل: خفضت الصوت فأسمعت من دنا، ورفعت الصوت فأسمعت من نأى:
أي أسمعت القريب والبعيد. وقال قتادة: خفضت أقواما في عذاب الله، ورفعت أقواما إلى طاعة الله. وقال محمد بن كعب: خفضت أقواما كانوا في الدنيا مرفوعين، ورفعت أقواما كانوا في الدنيا مخفوضين، والعرب تستعمل الخفض والرفع في المكان والمكانة والعز والإهانة، ونسبة الخفض والرفع إليها على طريق المجاز، والخافض والرافع في الحقيقة هو الله سبحانه (إذا رجت الأرض رجا) أي إذا حركت حركة شديدة، يقال رجه يرجه رجا إذا حركه، والرجة الاضطراب، وارتج البحر اضطرب. قال المفسرون: ترتج كما يرتج الصبي في المهد حتى ينهدم كل ما عليها وينكسر كل شئ من الجبال وغيرها. قال قتادة ومقاتل ومجاهد: معنى رجت زلزلت، والظرف متعلق بقوله " خافضة رافعة " أي تخفض وترفع وقت رج الأرض وبس الجبال، لأنه عند ذلك يرتفع ما هو منخفض وينخفض ما هو مرتفع، وقيل إنه بدل من الظرف الأول ذكره الزجاج، فيكون معنى وقوع الواقعة هو رج الأرض، وبس الجبال (وبست الجبال بسا) البس: الفت، يقال: بس الشئ إذا فته حتى يصير فتاتا، ويقال بس السويق: إذا لته بالسمن أو بالزيت. قال مجاهد ومقاتل: المعنى أن الجبال فتتت فتا.
وقال السدى: كسرت كسرا. وقال الحسن: قلعت من أصلها. وقال مجاهد أيضا: بست كما يبس الدقيق بالسمن أو بالزيت، والمعنى: أنها خلطت فصارت كالدقيق الملتوت. وقال أبو زيد: البس السوق، والمعنى على هذا: سيقت الجبال سوقا. قال أبو عبيد: بس الإبل وأبسها لغتان: إذا زجرها. وقال عكرمة: المعنى هدت هدا (فكانت هباء منبثا) أي غبارا متفرقا منتشرا. قال مجاهد: الهباء الشعاع الذي يكون في الكوة كهيئة الغبار، وقيل هو الرهج الذي يسطع من حوافر الدواب ثم يذهب، وقيل ما تطاير من النار إذا اضطرمت على