أدبر، وإن كان في الأصل مشتركا بين الإقبال والإدبار. قال المبرد: هو من الأضداد. قال: والمعنيان يرجعان إلى شئ واحد، وهو ابتداء الظلام في أوله وإدباره في آخره. قال رؤية بن العجاج:
يا هند ما أسرع ما تعسعسا * من بعد ما كان فتى ترعرعا وقال امرؤ القيس:
عسعس حتى لو نشاء إذ دنا * كان لنا من ناره مقتبس وقوله: الماء على الربع القديم تعسعسا * (والصبح إذا تنفس) التنفس في الأصل: خروج النسيم من الجوف، وتنفس الصبح إقباله، لأنه يقبل بروح ونسيم، فجعل ذلك تنفسا له مجازا. قال الواحدي: تنفس:
أي امتد ضوؤه حتى يصير نهارا، ومنه يقال للنهار إذا زاد تنفس. وقيل (إذا تنفس) إذا انشق وانفلق، ومنه تنفست القوس: أي تصدعت. ثم ذكر سبحانه جواب القسم فقال (إنه لقول رسول كريم) يعنى جبريل لكونه نزل به من جهة الله سبحانه إلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وأضاف القول إلى جبريل لكونه مرسلا به، وقيل المراد بالرسول في الآية محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والأول أولى. ثم وصف الرسول المذكور بأوصاف محمودة فقال (ذي قوة عند ذي العرش مكين) أي ذي قوة شديدة في القيام بما كلف به، كما في قوله - شديد القوى -، ومعنى (عند ذي العرش مكين) أنه ذو رفعة عالية ومكانة مكينة عند الله سبحانه، وهو في محل نصب على الحال من مكين، وأصله الوصف فلما قدم صار حالا، ويجوز أن يكون نعتا لرسول، يقال مكن فلان عند فلان مكانة: أي صار ذا منزلة عنده ومكانة. قال أبو صالح: من مكانته عند ذي العرش أنه يدخل سبعين سرادقا بغير إذن، ومعنى (مطاع) أنه مطاع بين الملائكة يرجعون إليه ويطيعونه (ثم أمين) قرأ الجمهور بفتح " ثم " على أنها ظرف مكان للبعيد، والعامل فيه مطاع أو ما بعده، والمعنى: أنه مطاع في السماوات أو أمين فيها: أي مؤتمن على الوحي وغيره، وقرأ هشيم وأبو جعفر وأبو حيوة بضمها على أنها عاطفة، وكان العطف بها للتراخي في الرتبة لأن ما بعدها أعظم مما قبلها، ومن قال: إن المراد بالرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم فالمعنى: أنه ذو قوة على تبليغ الرسالة إلى الأمة مطاع يطيعه، من أطاع الله أمين على الوحي (وما صاحبكم بمجنون) الخطاب لأهل مكة، والمراد بصاحبهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والمعنى: وما محمد يا أهل مكة بمجنون، وذكره بوصف الصحبة للإشعار بأنهم عالمون بأمره، وأنه ليس مما يرمونه به من الجنون وغيره في شئ، وأنهم افتروا عليه ذلك عن علم منهم بأنه أعقل الناس وأكملهم، وهذه الجملة داخلة في جواب القسم، فأقسم سبحانه بأن القرآن نزل به جبريل، وأن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ليس كما يقولون من أنه مجنون، وأنه يأتي بالقرآن من جهة نفسه (ولقد رآه بالأفق المبين) اللام جواب قسم محذوف: أي وتالله لقد رأي محمد جبريل بالأفق المبين: أي بمطلع الشمس من قبل المشرق، لأن هذا الأفق إذا كانت الشمس تطلع منه فهو مبين، لأن من جهته ترى الأشياء. وقيل الأفق المبين: أقطار السماء ونواحيها، ومنه قول الشاعر:
أخذنا بأقطار السماء عليكم * لنا قمراها والنجوم الطوالع وإنما قال سبحانه (ولقد رآه بالأفق المبين) مع أنه قد رآه غير مرة، لأنه رآه هذه المرة في صورته له ستمائة جناح، قال سفيان: إنه رآه في أفق السماء الشرقي. وقال ابن بحر: في أفق السماء الغربي. وقال مجاهد: رآه نحو أجياب نحو أجياد وهو مشرق مكة، والمبين صفة للأفق قاله الربيع. وقيل صفة لمن رآه قاله مجاهد:، وقيل معنى