عنه في قوله (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه) يقول: لم نمكنكم. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في الآية قال: عاد مكنوا في الأرض أفضل مما مكنت فيه هذه الأمة، وكانوا أشد قوة أكثر أموالا وأطول أعمارا.
لما بين سبحانه أن في الإنس من آمن، وفيهم من كفر بين أيضا أن في الجن كذلك، فقال (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن) العامل في الظرف مقدر: أي وادكر إذ صرفنا. أي وجهنا إليك نفرا من الجن وبعثناهم إليك، وقوله (يستمعون القرآن) في محل نصب صفة ثانية لنفرا أو حال لأن النكرة قد تخصصت بالصفة الأولى (فلما حضروه) أي حضروا القرآن عند تلاوته، وقيل حضروا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويكون في الكلام التفات من الخطاب إلى الغيبة، والأول أولى (قالوا أنصتوا) أي قال بعضهم لبعض اسكتوا، أمروا بعضهم بعضا بذلك لأجل أن يسمعوا (فلما قضى) قرأ الجمهور " قضى " مبنيا للمفعول: أي فرغ من تلاوته.
وقرأ حبيب بن عبيد الله بن الزبير ولا حق بن حميد وأبو مجلز على البناء للفاعل: أي فرغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم من تلاوته، والقراءة الأولى تؤيد أن الضمير في " حضروه " للقرآن، والقراءة الثانية تؤيد أنه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم (ولوا إلى قومهم منذرين) أي انصرفوا قاصدين إلى من وراءهم من قومهم منذرين لهم عن مخالفة القرآن ومحذرين لهم، وانتصاب: منذرين على الحال المقدرة أي مقدرين الإنذار، وهذا يدل على أنهم آمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وسيأتي في آخر البحث بيان ذلك (قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى) يعنون القرآن، وفي الكلام حذف، والتقدير: فوصلوا إلى قومهم فقالوا يا قومنا قال عطاء: كانوا يهودا فأسلموا (مصدقا لما بين يديه) أي لما قبله من الكتب المنزلة (يهدى إلى الحق) أي إلى الدين الحق (وإلى طريق مستقيم) أي إلى طريق الله القويم). قال مقاتل: لم يبعث الله نبيا إلى الجن والإنس قبل محمد صلى الله عليه