والخطاب للأزواج، وقيل للزوجات، وقيل للمسلمين على العموم، والأول أولى لأن الضمائر كلها لهم (واتقوا الله ربكم) فلا تعصوه فيما أمركم ولا تضاروهن (لا تخرجوهن من بيوتهن) أي التي كنا فيها عند الطلاق ما دمن في العدة، وأضاف البيوت إليهن وهي لأزواجهن لتأكيد النهي، وبيان كمال استحقاقهن للسكنى في مدة العدة، ومثله قوله - واذكرن ما يتلى في بيوتكن - وقوله - وقرن في بيوتكن - ثم لما نهى الأزواج عن إخراجهن من البيوت التي وقع الطلاق وهن فيها نهى الزوجات عن الخروج أيضا فقال (ولا يخرجن) أي لا يخرجن من تلك البيوت ما دمن في العدة إلا لأمر ضروري كما سيأتي بيان ذلك، وقيل المراد لا يخرجن من أنفسهن إلا إذا أذن لهن الأزواج فلا بأس، والأول أولى (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) هذا الاستثناء هو من الجملة الأولى: أي لا تخرجوهن من بيوتهن، لا من الجملة الثانية. قال الواحدي: أكثر المفسرين على أن المراد بالفاحشة هنا الزنا، وذلك أن تزني فتخرج لإقامة الحد عليها. وقال الشافعي وغيره: هي البذاء في اللسان والاستطالة بها على من هو ساكن معها في ذلك البيت، ويؤيد هذا ما قال عكرمة: إن في مصحف أبي " إلا أن يفحشن عليكم " وقيل المعنى:
إلا أن يخرجن تعديا، فإن خروجهن على هذا الوجه فاحشة، وهو بعيد، والإشارة بقوله (وتلك) إلى ما ذكر من الأحكام وهو مبتدأ وخبره (حدود الله) والمعنى: أن هذه الأحكام التي بينها لعباده هي حدوده التي حدها لهم لا يحل لهم أن يتجاوزوها إلى غيرها (ومن يتعد حدود الله) أي يتجاوزها إلى غيرها أو يخل بشئ منها (فقد ظلم نفسه) بإيرادها مورد الهلاك وأوقعها في مواقع الضرر بعقوبة الله له على مجاوزته لحدوده وتعديه لرسمه، وجملة (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) مستأنفة لتقرير مضمون ما قبلها وتعليله. قال القرطبي: قال جميع المفسرين: أراد بالأمر هنا الرغبة في الرجعة، والمعنى: التحريض على طلاق الواحدة والنهي عن الثلاث، فإنه إذا طلق ثلاثا أضر بنفسه عند الندم على الفراق والرغبة في الارتجاع فلا يجد إلى المراجعة سبيلا. وقال مقاتل بعد ذلك: أي بعد طلقة أو طلقتين أمرا بالمراجعة. قال الواحدي: الأمر الذي يحدث أن يوقع في قلب الرجل المحبة لرجعتها بعد الطلقة والطلقتين. قال الزجاج: وإذا طلقها ثلاثا في وقت واحد فلا معنى لقوله - لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا - (فإذا بلغن أجلهن) أي قاربن انقضاء أجل العدة وشارفن آخرها (فأمسكوهن بمعروف) أي راجعوهن بحسن معاشرة ورغبة فيهن من غير قصد إلى مضارة لهن (أو فارقوهن بمعروف) أي اتركوهن حتى تنقضي عدتهن فيملكن نفوسهن مع إيفائهن بما هو لهن عليكم من الحقوق وترك المضارة لهن (وأشهدوا ذوي عدل منكم) على الرجعة، وقيل على الطلاق، وقيل عليهما قطعا للتنازع وحسما لمادة الخصومة، والأمر للندب كما في قوله - وأشهدوا إذا تبايعتم - وقيل إنه للوجوب، وإليه ذهب الشافعي قال: الإشهاد واجب في الرجعة مندوب إليه في الفرقة، وإليه ذهب أحمد بن حنبل. وفي قول للشافعي: إن الرجعة لا تفتقر إلى الإشهاد كسائر الحقوق، وروى نحو هذا عن أبي حنيفة وأحمد (وأقيموا الشهادة لله) هذا أمر للشهود بأن يأتوا بما شاهدوا به تقربا إلى الله، وقد تقدم تفسير هذا في سورة البقرة، وقيل الأمر للأزواج بأن يقيموا الشهادة: أي الشهود عند الرجعة فيكون قوله (واشهدوا ذوي عدل منكم) أمرا بنفس الإشهاد، ويكون قوله (وأقيموا الشهادة) أمرا بأن تكون خالصة لله، والإشارة بقوله (ذلكم) إلى ما تقدم من الأمر بالإشهاد وإقامة الشهادة لله، وهو مبتدأ وخبره (يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) وخص المؤمن بالله واليوم الآخر لأنه المنتفع بذلك دون غيره (ومن يتقي الله يجعل له مخرجا) أي من يتقي عذاب الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه والوقوف على حدوده التي حدها لعباده وعدم مجاوزتها يجعل له مخرجا مما وقع فيه من الشدائد والمحن (ويرزقه من حيث لا يحتسب) أي من وجه