سورة المزمل (19 - 20) الإشارة بقوله (إن هذه) إلى ما تقدم من الآيات، والتذكرة الموعظة، والإشارة إلى جميع آيات القرآن، لا إلى ما في هذه السورة فقط (فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) أي اتخذ بالطاعة التي أهم أنواعها التوحيد إلى ربه طريقا توصله إلى الجنة (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل) معنى أدنى أقل، استعير له الأدنى لأن المسافة بين السنين إذا دنت قل ما بينهما (ونصفه) معطوف على أدنى (وثلثه) معطوف على نصفه، والمعنى: أن الله يعلم أن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم يقوم أقل من ثلثي الليل ويقوم نصفه ويقوم ثلثه، وبالنصف قرأ ابن كثير والكوفيون، وقرأ الجمهور " ونصفه وثلثه " بالجر عطفا على ثلثي الليل، والمعنى: أن الله يعلم أن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم يقوم أقل من ثلثي الليل وأقل من نصفه وأقل من ثلثه، واختار قراءة الجمهور أبو عبيد وأبو حاتم لقوله - علم أن لن تحصوه - فكيف يقومون نصفه وثلثه وهم لا يحصونه. وقال الفراء: القراءة الأولى أشبه بالصواب لأنه قال: أقل من ثلثي الليل، ثم فسر نفس القلة (وطائفة من الذين معك) معطوف على الضمير في تقوم: أي وتقوم وذلك القدر معك طائفة من أصحابك (والله يقدر الليل والنهار) أي يعلم مقادير الليل والنهار على حقائقها ويختص بذلك دون غيره وأنتم لا تعلمون ذلك على الحقيقة. قال عطاء: يريد لا يفوته علم ما تفعلون.
أي أنه يعلم مقادير الليل والنهار فيعلم قدر الذي تقومونه من الليل (علم أن لن تحصوه) أن لن تطيقوا علم مقادير الليل والنهار على الحقيقة، وفي أن الضمير شأن محذوف، وقيل المعنى: لن تطيقوا قيام الليل. قال القرطبي:
والأول أصح، فإن قيام الليل ما فرض كله قط. قال مقاتل وغيره: لما نزل " قم الليل إلا قليلا. نصفه أو انقص منه قليلا. أو زد عليه " شق ذلك عليهم، وكان الرجل لا يدري متى نصف الليل من ثلثه فيقوم حتى يصبح مخافة أن يخطئ، فانتفخت أقدامهم وانتقعت ألوانهم فرحمهم الله وخفف عنهم فقال (علم أن لن تحصوه) أي علم أن لن تحصوه لأنكم إن زدتم ثقل عليكم واحتجتم إلى تكلف ما ليس فرضا، وإن نقصتم شق ذلك عليكم (فتاب عليكم) أي فعاد عليكم بالعفو، ورخص لكم في ترك القيام. وقيل فتاب عليكم من فرض القيام إذ عجزتم، وأصل التوبة الرجوع كما تقدم، فالمعنى: رجع بكم من التثقيل إلى التخويف، ومن العسر إلى اليسر (فاقرءوا ما تيسر من القرآن) أي فاقرءوا في الصلاة بالليل ما خف عليكم وتيسر لكم منه من غير أن ترقبوا وقتا. قال الحسن:
هو ما نقرأ في صلاة المغرب والعشاء. قال السدي: ما تيسر منه هو مائة آية. قال الحسن: أيضا من قرأ مائة آية