بلغت الحلقوم إلى مقرها الذي كانت فيه (إن كنتم صادقين) ولن ترجعوها فبطل زعمكم إنكم غير مربوبين ولا مملوكين، والعامل في قوله إذا بلغت هو قوله ترجعونها، ولولا الثانية تأكيد للأولى قال الفراء: وربما أعادت العرب الحرفين ومعناهما واحد. ثم ذكر سبحانه طبقات الخلق عند الموت وبعده فقال (فاما إن كان من المقربين) أي السابقين من الثلاثة الأصناف المتقدم تفصيل أحوالهم (فروح وريحان وجنة ونعيم) قرأ الجمهور " روح " بفتح الراء، ومعناه الراحة من الدنيا والاستراحة من أحوالها. وقال الحسن: الروح الرحمة. وقال مجاهد: الروح الفرح وقرأ ابن عباس وعائشة والحسن وقتادة ونصر بن عاصم والجحدري " فروح " بضم الراء، ورويت هذه القراءة عن بعقوب، قيل ومعنى هذه القراءة الرحمة لأنها كالحياة للمرحوم، والريحان: الرزق في الجنة، قاله مجاهد وسعيد ابن جبير ومقاتل. قال مقاتل: هو الرزق بلغة حمير، يقال خرجت أطلب ريحان الله: أي رزقه، ومنه قول النمر ابن تولب:
سلام الإله وريحانه * ورحمته وسماء درر وقال قتادة: إنه الجنة. وقال الضحاك: هو الرحمة. وقال الحسن: هو الريحان المعروف الذي يشم. قال قتادة والربيع بن خيثم: هذا عند الموت، والجنة مخبوءة له إلى أن يبعث، وكذا قال أبو الجوزاء وأبو العالية، ومعنى وجنة نعيم أنها ذات تنعم، وارتفاح روح وما بعده على الابتداء، والخبر محذوف: أي فله روح (وأما إن كان) ذلك المتوفى (من أصحاب اليمين) وقد تقدم ذكرهم وتفصيل أحوالهم وما أعده الله لهم من الجزاء (فسلام لك من أصحاب اليمين) أي لست ترى فيهم إلا ما تحب من السلامة فلا تهتم بهم فإنه يسلمون من عذاب الله، وقيل المعنى: سلام لك منهم: أي أنت سالم من الاغتمام بهم، وقيل المعنى: إنهم يدعون لك ويسلمون عليك، وقيل إنه صلى الله عليه وآله وسلم يحيى بالسلام إكراما، وقيل هو إخبار من الله سبحانه بتسليم بعضهم على بعض، وقيل المعنى: سلام لك يا صاحب اليمين من إخوانك أصحاب اليمين، (وأما إن كان من المكذبين الضالين) أي المكذبين بالبعث الضالين عن الهدى، وهو أصحاب الشمال المتقدم ذكرهم، وتفصيل أحوالهم (فنزل من حميم) أي فله نزل يعد لنزوله من حميم، وهو الماء الذي قد تناهت حرارته، وذلك بعد أن يأكل من الزقوم كما تقدم بيانه (وتصلية جحيم) يقال أصلاه النار وصلاه: أي إذا جعله في النار، وهو من إضافة المصدر إلى المفعول، أو إلى المكان. قال المبرد: وجواب الشرط في هذه الثلاثة المواضع محذوف والتقدير: مهما يكن من شئ فروح الخ.
وقال الأخفش: إن الفاء في المواضع الثلاثة هي جواب أما وجواب حرف الشرط. قرأ الجمهور " وتصلية " بالرفع عطفا على فنزل. وقرأ أبو عمرو في رواية عنه بالجر عطفا على حميم: أي فنزل من حميم ومن تصلية جحيم (إن هذا لهو حق اليقين) الإشارة إلى ما ذكر في هذه السورة، أو إلى المذكور قريبا من أحوال المتفرقين لهو حق اليقين: أي محض اليقين وخالصه، وإضافة حق إلى اليقين من باب إضافة الشئ إلى نفسه. قال المبرد: هو كقولك عين اليقين ومحض اليقين، هذا عند الكوفيين وجوزوا ذلك لاختلاف اللفظ، وأما البصريون فيجعلون المضاف إليه محذوفا، والتقدير: حق الأمر اليقين أو الخبر اليقين، والفاء في (فسبح باسم ربك العظيم) لترتيب ما بعدها على ما قبلها: أي نزهه عما لا يليق بشأنه، والباء متعلقة بمحذوف: أي فسبح ملتبسا باسم ربك للتبرك به. وقيل المعنى: فصل بذكر ربك، وقيل الباء زائدة، والاسم بمعنى الذات. وقيل هي للتعدية لأن سبح يتعدى بنفسه تارة ويتعدى بالحرف أخرى، والأول أولى.