وقرأ ابن مسعود " وحللنا عنك وقرك " ثم ذكر سبحانه منته عليه وكرامته فقال (ورفعنا لك ذكرك) قال الحسن: وذلك أن الله لا يذكر في موضع إلا ذكر معه صلى الله عليه وآله وسلم. قال قتادة: رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادى، فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله. قال مجاهد: (ورفعنا لك ذكرك) يعني بالتأذين. وقيل المعنى: ذكرناك في الكتب المنزلة على الأنبياء قبله وأمرناهم بالبشارة به، وقيل رفعنا ذكرك عند الملائكة في السماء وعند المؤمنين في الأرض. والظاهر أن هذا الرفع لذكره الذي أمتن الله به عليه يتناول جميع هذه الأمور، فكل واحد منها من أسباب رفع الذكر، وكذلك أمره بالصلاة والسلام عليه، وإخباره صلى الله عليه وآله وسلم عن الله عز وجل أن من صلى عليه واحدة صلى الله عليه بها عشرا، وأمر الله بطاعته كقوله - أطيعوا الله وأطيعوا الرسول - وقوله - وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا - وقوله - قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله - وغير ذلك. وبالجملة فقد ملأ ذكره الجليل السماوات والأرضين، وجعل الله له من لسان الصدق والذكر الحسن والثناء الصالح ما لم يجعله لأحد من عباده - ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم - اللهم صل وسلم عليه وعلى آله عدد ما صلى عليه المصلون بكل لسان في كل زمان، وما أحسن قول حسان:
أغر عليه للنبوة خاتم * من الله مشهور يلوح ويشهد وضم الإله اسم النبي مع اسمه * إذا قال في الخمس المؤذن أشهد وشق له من اسمه ليجله * فذو العرش محمود وهذا محمد (فإن مع العسر يسرا) أي إن مع الضيقة سعة، ومع الشدة رخاء، ومع الكرب فرج. وفي هذا وعد منه سبحانه بأن كل عسير يتيسر، وكل شديد يهون، وكل صعب يلين. ثم زاد سبحانه هذا الوعد تقريرا وتأكيدا، فقال مكررا له بلفظ (إن مع العسر يسرا) أي إن مع ذلك العسر المذكور سابقا يسرا آخر لما تقرر من أنه إذا أعيد المعرف يكون الثاني عين الأول سواء كان المراد به الجنس أو العهد، بخلاف المنكر إذا أعيد فإنه يراد بالثاني فرد مغاير لما أريد بالفرد الأول في الغالب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في معنى هذه الآية " لن يغلب عسر يسرين " قال الواحدي: وهذا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة والمفسرين على أن العسر واحد واليسر اثنان. قال الزجاج: ذكر العسر مع الألف واللام ثم ثنى ذكره، فصار المعنى: إن مع العسر يسرين. قيل والتنكير في اليسر للتفخيم والتعظيم، وهو في مصحف ابن مسعود غير مكرر. قرأ الجمهور بسكون السين في العسر واليسر في الموضعين. وقرأ يحيى بن وثاب وأبو جعفر وعيسى بضمها في الجميع (فإذا فرغت فانصب) أي إذا فرغت من صلاتك، أو من التبليغ، أو من الغزو فانصب: أي فاجتهد في الدعاء واطلب من الله حاجتك، أو فانصب في العبادة، والنصب التعب، يقال نصب ينصب نصبا: أي تعب. قال قتادة والضحاك ومقاتل والكلبي: إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء وأرغب إليه في المسألة يعطك، وكذا قال مجاهد: قال الشعبي: إذا فرغت من التشهد فادعو لدنياك وآخرتك، وكذا قال الزهري. وقال الكلبي أيضا: إذا فرغت من تبليغ الرسالة فانصب: أي استغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات. وقال الحسن وقتادة:
إذا فرغت من جهاد عدوك فانصب لعبادة ربك. وقال مجاهد أيضا: إذا فرغت من دنياك فانصب في صلاتك (وإلى ربك فارغب) قال الزجاج: أي اجعل رغبتك إلى الله وحده. قال عطاء: يريد أنه يضرع إليه راهبا من النار، راغبا في الجنة، والمعنى: أنه يرغب إليه سبحانه لا إلى غيره كائنا من كان، فلا يطلب حاجاته إلا منه،