غلط، لأن العرب لا تقحم الواو إلا مع حتى إذا كقوله - حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها - ومع لما كقوله - فلما أسلما وتله للجبين وناديناه - ولا تقحم مع غير هذين. وقيل إن الجواب قوله - فملاقيه - أي فأنت ملاقيه، وبه قال الأخفش: وقال المبرد: إن في الكلام تقديما وتأخيرا: أي يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه إذا السماء انشقت. وقال المبرد أيضا: إن الجواب قوله (فأما من أوتى كتابه بيمينه) وبه قال الكسائي، والتقدير:
إذا السماء انشقت فمن أوتي كتابه بيمينه فحكمه كذا، وقيل هو (يا أيها الإنسان) على إضمار الفاء، وقيل إنه (يا أيها الإنسان) على إضمار القول: أي يقال له يا أيها الإنسان وقيل الجواب محذوف تقديره بعثتم، أو لا قي كل إنسان عمله، وقيل هو ما صرح به في سورة التكوير: أي علمت نفس هذا، على تقدير أن إذا شرطية، وقيل ليست بشرطية وهي منصوبة بفعل محذوف: أي أذكر، أو هي مبتدأ وخبرها إذا الثانية والواو مزيدة وتقديره: وقت انشقاق السماء وقت مد الأرض، ومعنى (وأذنت لربها) أنها أطاعته في الانشقاق من الإذن، وهو الاستماع للشئ والإصغاء إليه (وحقت) أي وحق لها أن تطيع وتنقاد وتسمع، ومن استعمال الإذن في الاستماع قول الشاعر:
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به * وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا وقول الآخر: إن يأذنوا ريبة طاروا بها فرحا * منى وما أذنوا من صالح دفنوا وقيل المعنى. وحقق الله عليها الاستماع لأمره بالانشقاق: أي جعلها حقيقة بذلك. قال الضحاك: حقت أطاعت، وحق لها أن تطيع ربها لأنه خلقها، يقال فلان محقوق بكذا، ومعنى طاعتها: أنها لا تمنع مما أراده الله بها. قال قتادة: حق لها أن تفعل ذلك، ومن هذا قول كثير:
فإن تكن العتبى فأهلا ومرحبا * وحقت لها العتبى لدينا وقلت (وإذا الأرض مدت) أي بسطت كما تبسط الأدم، ودكت جبالها حتى صارت قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا. قال مقاتل: سويت كمد الأديم فلا يبقى عليها بناء ولا جبل إلا دخل فيها، وقيل مدت زيد في سعتها، من المدد، وهو الزيادة (وألقت ما فيها) أي أخرجت ما فيها من الأموات والكنوز وطرحتهم إلى ظهرها (وتخلت) من ذلك. قال سعيد بن جبير: ألقت ما في بطنها من الموتى وتخلت ممن على ظهرها من الأحياء، ومثل هذا قوله - وأخرجت الأرض أثقالها - (وأذنت لربها) أي سمعت وأطاعت لما أمرها به من الإلقاء والتخلي (وحقت) أي وجعلت حقيقة بالاستماع لذلك والانقياد له، وقد تقدم بيان معنى الفعلين قبل هذا (يا أيها الإنسان) المراد جنس الإنسان فيشمل المؤمن والكافر، وقيل هو الإنسان الكافر، والأول أولى لما سيأتي من التفصيل (إنك كادح إلى ربك كدحا) الكدح في كلام العرب: السعي في الشئ بجهد من غير فرق بين أن يكون ذلك الشئ خيرا أو شرا، والمعنى: أنك ساع إلى ربك في عملك، أو إلى لقاء ربك، مأخوذ من كدح جلده: إذا خدشه.
قال ابن مقبل:
وما الدهر إلا تارتان فمنها * أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح قال قتادة والضحاك والكلبي: عامل لربك عملا (فملاقيه) أي فملاق عملك، والمعنى: أنه لا محالة ملاق لجزاء عمله وما يترتب عليه من الثواب والعقاب قال القتيبي: معنى الآية: إنك كادح: أي عامل ناصب في معيشتك إلى لقاء ربك. والملاقاة بمعنى اللقاء: أي تلقى ربك بعملك، وقيل فملاق كتاب عملك، لأن العمل قد انقضى (فأما من أوتى كتابه بيمينه) وهم المؤمنون (فسوف يحاسب حسابا يسيرا) لا مناقشة فيه. قال مقاتل: