أنه يفر كل منهم من الآخر من شدة الهول كما في قوله - يوم يفر المرء من أخيه - الآية. قيل ويجوز أن يتعلق يوم القيامة بما قبله: أي لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة فيوقف عليه. ويبتدأ بقوله (يفصل بينكم) والأولى أن يتعلق بما بعده كما ذكرنا (والله بما تعملون بصير) لا يخفى عليه شئ من أقوالكم وأفعالكم، فهو مجازيكم على ذلك. قرأ الجمهور " يفصل " بضم الياء وتخفيف الفاء وفتح الصاد مبنيا للمفعول، واختار هذه القراءة أبو عبيد. وقرأ عاصم بفتح الياء وكسر الصاد مبنيا للفاعل. وقرأ حمزة والكسائي بضم الياء وفتح الفاء وكسر الصاد مشددة. وقرأ علقمة بالنون. وقرأ قتادة وأبو حيوة بضم الياء وكسر الصاد مخففة.
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن علي بن أبي طالب قال: " بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا والزبير والمقداد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فأتوني به، فخرجنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا أخرجي الكتاب، قالت ما معي من كتاب، فقلنا لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما هذا يا حاطب؟ قال: لا تعجل علي يا رسول الله، إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أصطنع إليهم يدا يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: صدق، فقال عمر: دعني أضرب عنقه، فقال: إنه شهد بدرا، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. ونزلت (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة) ". وفي الباب أحاديث مسندة ومرسلة متضمنة لبيان هذه القصة، وأن هذه الآيات إلى قوله (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم) نازلة في ذلك.