الكفارات والنفقات منذ دخلت في دين محمد. قرأ الجمهور " لبدا " بضم اللام وفتح الباء مخففا. وقرأ مجاهد وحميد بضم اللام والباء مخففا. وقرأ أبو جعفر بضم اللام وفتح الباء مشددا. قال أبو عبيدة: لبد فعل من التلبيد، وهو المال الكثير بعضه على بعض. قال الزجاج: فعل للكثرة، يقال رجل حطم: إذا كان كثير الحطم. قال الفراء:
واحدته لبدة والجمع لبد. وقد تقدم بيان هذا في سورة الجن (أيحسب أن لم يره أحد) أي أيظن أنه لم يعاينه أحد.
قال قتادة: أيظن أن الله سبحانه لم يره ولا يسأله عن ماله من أين كسبه، وأين أنفقه؟ وقال الكلبي: كان كاذبا لم ينفق ما قال، فقال الله: أيظن أن الله لم ير ذلك منه، فعل أو لم يفعل، أنفق أو لم ينفق. ثم ذكر سبحانه ما أنعم به عليهم ليعتبروا فقال (ألم نجعل له عينين) يبصر بهما (ولسانا) ينطق به (وشفتين) يستر بهما ثغره. قال الزجاج:
المعنى ألم نفعل به ما يدل على أن الله قادر على أن يبعثه، والشفة محذوفة اللام، وأصلها شفهة بدليل تصغيرها على شفيهة (وهديناه النجدين) النجد: الطريق في ارتفاع. قال المفسرون: بينا له طريق الخير وطريق الشر. قال الزجاج: المعنى ألم نعرفه طريق الخير وطريق الشر، مبينتين كتبين الطريقين العاليتين. وقال عكرمة وسعيد بن المسيب والضحاك. النجدان: الثديان لأنهما كالطريقين لحياة الولد ورزقه، والأول أولى. وأصل النجد المكان المرتفع، وجمعه نجود، ومنه سميت نجد لارتفاعها عن انخفاض تهامة، فالنجدان الطريقان العاليان، ومنه قول امرئ القيس:
فريقان منهم قاطع بطن نخلة * وآخر منهم قاطع نجد كبكب (فلا اقتحم العقبة) الاقتحام: الرمي بالنفس في شئ من غير روية، يقال منه: قحم في الأمر قحوما: أي رمى بنفسه فيه من غير روية، وتقحيم النفس في الشئ: إدخالها فيه من غير روية، والقحمة بالضم المهلكة.
والعقبة في الأصل الطريق التي في الجبل، سميت بذلك لصعوبة سلوكها، وهو مثل ضربه سبحانه لمجاهدة النفس والهوى والشيطان في أعمال البر، فجعله كالذي يتكلف صعود العقبة. قال الفراء والزجاج: ذكر سبحانه هنا " لا " مرة واحدة، والعرب لا تكاد تفرد لا مع الماضي في مثل هذا الموضع حتى يعيدوها في كلام آخر كقوله - فلا صدق ولا صلى - وإنما أفردها هنا لدلالة آخر الكلام على معناه، فيجوز أن يكون قوله " ثم كان من الذين آمنوا " قائما مقام التكرير كأنه قال: فلا اقتحم العقبة، ولا آمن. قال المبرد وأبو علي الفارسي: إن " لا " هنا بمعنى لم: أي فلم يقتحم العقبة، وروى نحو ذلك عن مجاهد، فلهذا لم يحتج إلى التكرير، ومنه قول زهير:
وكان طوى كشحا على مستبكنة * فلا هو أبداها ولم يتقدم أي فلم يبدها ولم يتقدم، وقيل هو جار مجرى الدعاء كقولهم: لانجاء. قال أبو زيد وجماعة من المفسرين:
معنى الكلام هنا الاستفهام الذي بمعنى الإنكار، تقديره: أفلا اقتحم العقبة، أو هلا اقتحم العقبة. ثم بين سبحانه العقبة فقال (وما أدراك ما العقبة) أي أي شئ أعلمك ما اقتحامها (فك رقبة) أي هي إعتاق رقبة وتخليصها من أسار الرق، وكل شئ أطلقته فقد فككته، ومنه: فك الرهن، وفك الكتاب، فقد بين سبحانه أن العقبة هي هذه القرب المذكورة التي تكون بها النجاة من النار. قال الحسن وقتادة: هي عقبة شديدة في النار دون الجسر، فاقتحموها بطاعة الله. وقال مجاهد والضحاك والكلبي: هي الصراط الذي يضرب على جهنم كحد السيف.
وقال كعب: هي نار دون الجسر. قيل وفي الكلام حذف: أي وما أدراك ما اقتحام العقبة؟ قرأ أبو عمرو وابن كثير والكسائي " فك رقبة " على أنه فعل ماض ونصب رقبة على المفعولية، وهكذا قرآ أو أطعم: على أنه فعل