تجاوزونه إلى ما هو أعظم منه من التكذيب بالدين وهو الجزاء، أو بدين الإسلام. قال ابن الأنباري: الوقف الجيد على الدين وعلى ركبك، وعلى كلا قبيح، والمعنى: بل تكذبون يا أهل مكة بالدين: أي بالحساب، وبل لنفي شئ تقدم وتحقيق غيره، وإنكار البعث قد كان معلوما عندهم وإن لم يجر له ذكر. قال الفراء: كلا ليس الأمر كما غررت به. قرأ الجمهور " تكذبون " بالفوقية على الخطاب. وقرأ الحسن وأبو جعفر وشيبة بالتحتية على الغيبة، وجملة (وإن عليكم لحافظين) في محل نصب على الحال من فاعل تكذبون: أي تكذبون والحال أن عليكم من يدفع تكذيبكم، ويجوز أن تكون مستأنفة مسوقة لبيان ما يبطل تكذيبهم، والحافظين الرقباء من الملائكة الذين يحفظون على العباد أعمالهم ويكتبونها في الصحف. ووصفهم سبحانه بأنهم كرام لديه يكتبون ما يأمرهم به من أعمال العباد، وجملة (يعلمون ما تفعلون) في محل نصب على الحال من ضمير كاتبين، أو على النعت، أو مستأنفة.
قال الرازي: والمعنى التعجيب من حالهم كأنه قال: إنكم تكذبون بيوم الدين، وملائكة الله موكلون بكم يكتبون أعمالكم حتى تحاسبوا بها يوم القيامة، ونظيره قوله تعالى - عن اليمين وعن الشمال قعيد. ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد -. ثم بين سبحانه حال الفريقين فقال (إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم) والجملة مستأنفة لتقرير هذا المعنى الذي سيقت له، وهي كقوله سبحانه - فريق في الجنة وفريق في السعير - وقوله - يصلونها يوم الدين - صفة لجحيم، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من الضمير في متعلق الجار والمجرور، أو مستأنفة جواب سؤال مقدر، كأنه قيل ما حالهم؟ فقيل (يصلونها يوم الدين) أي يوم الجزاء الذي كانوا يكذبون به، ومعنى يصلونها: أنهم يلزمونها مقاسين لوهجها وحرها يومئذ. قرأ الجمهور " يصلونها " مخففا مبنيا للفاعل، وقرئ بالتشديد مبنيا للمفعول (وما هم عنها بغائبين) أي لا يفارقونها أبدا ولا يغيبون عنها، بل هم فيها، وقيل المعنى: وما كانوا غائبين عنها قبل ذلك بالكلية بل كانوا يجدون حرها في قبورهم. ثم عظم سبحانه ذلك اليوم فقال (وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين) أي يوم الجزاء والحساب، وكرره تعظيما لقدره وتفخيما لشأنه، وتهويلا لأمره كما في قوله - القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة - و - الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة - والمعنى: أي شئ جعلك داريا ما يوم الدين. قال الكلبي: الخطاب لإنسان الكافر. ثم أخبر سبحانه عن اليوم فقال (يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله) قرأ ابن كثير وأبو عمرو برفع " يوم " على أنه بدل من يوم الدين، أو خبر مبتدإ محذوف. وقرأ أبو عمرو في رواية " يوم " بالتنوين، والقطع عن الإضافة.
وقرأ الباقون بفتحه على أنها فتحة إعراب بتقدير أعني أو أذكر، فيكون مفعولا به، أو على انها فتحة بناء لإضافته إلى الجملة على رأي الكوفيين، وهو في محل رفع على أنه خبر مبتدإ محذوف، أو على أنه بدل من يوم الدين. قال الزجاج: يجوز أن يكون في موضع رفع إلا أنه مبني على الفتح لإضافته إلى قوله (لا تملك) وما أضيف إلى غير المتمكن فقد يبني على الفتح، وإن كان في موضع رفع، وهذا الذي ذكره إنما يجوز عند الخليل وسيبويه إذا كانت الإضافة إلى الفعل الماضي، وأمما إلى الفعل المستقبل فلا يجوز عندهما، وقد وافق الزجاج على ذلك أبو علي الفارسي والفراء وغيرهما، والمعنى: أنها لا تملك نفس من النفوس لنفس أخرى شيئا من النفع أو الضر (والأمر يومئذ لله) وحده لا يملك شيئا من الأمر غيره كائنا ما كان. قال مقاتل: يعني لنفس كافرة شيئا من المنفعة. قال قتادة: ليس ثم أحد يقضي شيئا، أو يصنع شيئا إلا الله رب العالمين، والمعنى: أن الله لا يملك أحدا في ذلك اليوم شيئا من الأمور كما ملكهم في الدنيا، ومثل هذا قوله - لمن الملك اليوم لله الواحد القهار -.