الناس كلهم فارجع عن هذا فنحن نجيرك (قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا) أي لا أقدر أن أدفع عنكم ضرا ولا أسوق إليكم خيرا، وقيل الضر الكفر، والرشد الهدى، والأول أولى لوقوع النكرتين في سياق النفي، فهما يعمان كل ضرر وكل رشد في الدنيا والدين (قل إني لن يجيرني من الله أحد) أي لا يدفع عني أحد عذابه إن أنزله بي (ولن أجد من دونه ملتحدا) أي ملجأ ومعدلا وحرزا، والملتحد معناه في اللغة الممال: أي موضعا أميل إليه. قال قتادة: مولى. وقال السدي: حرزا، وقال الكلبي: مدخلا في الأرض مثل السرب، وقيل مذهبا ومسلكا، والمعنى متقارب، ومنه قول الشاعر:
يا لهف نفسي ولهفا غير مجدية * عني وما من قضاء الله ملتحد والاستثناء في قوله (إلا بلاغا من الله) هو من قوله لا أملك: أي لا أملك ضرا ولا رشدا إلا التبليغ من الله، فإن فيه أعظم الرشد، أو من ملتحدا: أي لن أجد من دونه ملجأ إلا التبليغ. قال مقاتل: ذلك الذي يجيرني من عذابه. وقال قتادة: إلا بلاغا من الله، فذلك الذي أملكه بتوفيق الله، فأما الكفر والإيمان فلا أملكهما. قال الفراء: لكن أبلغكم ما أرسلت به، فهو على هذا منقطع. وقال الزجاج: هو منصوب على البدل من قوله " ملتحدا " أي ولن أجد من دونه ملتحدا إلا أن أبلغ ما يأتي من الله، وقوله (ورسالاته) معطوف على بلاغا: أي إلا بلاغا من الله وإلا رسالاته التي أرسلني بها إليكم، أو إلا أن أبلغ عن الله وأعمل برسالاته، فآخذ نفسي بما آمر به غيري. وقيل الرسالات معطوفة على الاسم الشريف: أي إلا بلاغا عن الله وعن رسالاته، كذا قال أبو حيان ورجحه (ومن يعص الله ورسوله) في الأمر بالتوحيد لأن السياق فيه (فإن له نار جهنم) قرأ الجمهور بكسر إن على أنها جملة مستأنفة. وقرئ بفتح الهمزة، لأن ما بعد فاء الجزاء موضع ابتداء، والتقدير فجزاؤه أن له نار جهنم، أو فحكمه أن له نار جهنم، وانتصاب (خالدين فيها) على الحال: أي في النار أو في جهنم، والجمع باعتبار معنى من كما أن التوحيد في قوله " فإن له " باعتبار لفظها، وقوله (أبدا) تأكيد لمعنى الخلود: أي خالدين فيها بلا نهاية (حتى إذا رأوا ما يوعدون) يعني من العذاب في الدنيا أو في الآخرة. والمعنى لا يزالون على ما هم عليه من الإصرار على الكفر وعداوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين حتى إذا رأوا الذي يوعدون به فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا) أي من هو أضعف جندا ينتصر به وأقل عددا أهم أم المؤمنون؟ (قل إن أدري أقريب ما توعدون) أي ما أدري أقريب حصول ما توعدون من العذاب (أم يجعل له ربي أمدا) أي غاية ومدة، أمره الله سبحانه أن يقول لهم هذا القول لما قالوا له متى بكون هذا الذي توعدنا به؟ قال عطاء: يريد أنه لا يعرف يوم القيامة إلا الله وحده، والمعنى أن علم وقت العذاب علم غيب لا يعلمه إلا الله. قرأ الجمهور " ربي " بإسكان الياء. وقرا الحرميان وأبو عمرو بفتحها، (ومن) في " من أضعف " موصولة، وأضعف خبر مبتدإ محذوف:
أي هو أضعف، والجملة صلة الموصول، ويجوز أن تكون استفهامية مرتفعة على الابتداء وأضعف خبرها، والجملة في محل نصب سادة مسد مفعولي أدري، وقوله " أقريب " خبر مقدم " وما توعدون " مبتدأ مؤخر (عالم الغيب) قرأ الجمهور بالرفع على أنه بدل من ربي، أو بيان له أو خبر مبتدإ محذوف، والجملة مستأنفة مقررة لما قبلها من عدم الدراية. وقرئ بالنصب على المدح. وقرأ السري علم الغيب بصيغة الفعل ونصب الغيب، والفاء في (فلا يظهر على غيبه أحدا) لترتيب عدم الإظهار على تفرده بعلم الغيب: أي لا يطلع على الغيب الذي يعلمه، هو ما غاب عن العباد أحدا منهم، ثم استثنى فقال (إلا من ارتضى من رسول) أي إلا من اصطفاه من الرسل) أو