قوله (كلا) ردع وزجر: أي بعيد أن يؤمن الكافر بيوم القيامة، ثم استأنف، فقال (إذا بلغت التراقي) أي بلغت النفس أو الروح التراقي، وهي جمع ترقوة، وهي عظم بين ثغرة النحر والعاتق، ويكنى ببلوغ النفس التراقي عن الإشفاء على الموت، ومثله قوله - فلولا إذا بلغت الحلقوم - وقيل معنى " كلا " حقا: أي حقا أن المساق إلى الله إذا لمغت التراقي، والمقصود تذكيرهم شدة الحال عند نزول الموت. قال دريد بن الصمة:
ورب كريهة دافعت عنها * وقد بلغت نفوسهم التراقي (وقيل من راق) أي قال من حضر صاحبها من يرقيه ويشتفي برقيته؟. قال قتادة: التمسوا له الأطباء فلم يغنوا عنه من قضاء الله شيئا، وبه قال أبو قلابة، ومنه قول الشاعر:
هل للفتى من بنات الموت من واقى * أم هل له من حمام الموت من راقى وقال أبو الجوزاء: هو من رقى يرقي إذا صعد، والمعنى: من يرقى بروحه إلى السماء أم ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ وقيل إنه يقول ذلك ملك الموت، وذلك أن نفس الكافر تكره الملائكة قربها (وظن أنه الفراق) أي وأيقن الذي بلغت روحه التراقي أنه الفراق من الدنيا ومن الأهل والمال والولد (والتفت الساق بالساق) أي التفت ساقه بساقه عند نزول الموت به. وقال جمهور المفسرين: المعنى تتابعت عليه الشدائد. وقال الحسن: هما ساقاه إذا التفتا في الكفن. وقال زيد بن أسلم: التفت ساق الكفن بساق الميت، وقيل ماتت رجلاه ويبست ساقاه ولم تحملاه، وقد كان جوالا عليهما. وقال الضحاك: اجتمع عليه أمران شديدان: الناس يجهزون جسده، والملائكة يجهزون روحه. وبه قال ابن زيد. والعرب لا تذكر الساق إلا في الشدائد الكبار، والمحن العظام، ومنه قولهم: قامت الحرب على ساق. وقيل الساق الأول تعذيب روحه عند خروج نفسه، والساق الآخر شدة البعث وما بعده (إلى ربك يومئذ المساق) أي إلى خالقك يوم القيامة المرجع، وذلك جمع العباد إلى الله يساقون إليه (فلا صدق ولا صلى) أي لم يصدق بالرسالة ولا بالقرآن، ولا صلى لربه، والضمير يرجع إلى الإنسان المذكور في أول هذه السورة. قال قتادة: فلا صدق بكتاب الله ولا صلى لله، وقيل فلا آمن بقلبه ولا عمل ببدنه. قال الكسائي لا بمعنى لم، وكذا قال الأخفش: والعرب تقول: لا ذهب أي لم يذهب، وهذا مستفيض في كلام العرب، ومنه:
إن تغفر اللهم نغفر جما * وأي عبد لك لا ألما (ولكن كذب وتولى) أي كذب بالرسول وبما جاء به، وتولى عن الطاعة والإيمان (ثم ذهب إلى أهله يتمطى) أي يتبختر ويختال في مشيته افتخارا بذلك. وقيل هو مأخوذ من المطي وهو الظهر، والمعنى يلوي مطاه.
وقيل أصله يتمطط، وهو التمدد والتثاقل: أي يتثاقل ويتكاسل عن الداعي إلى الحق (أولى لك فأولى. ثم أولى لك فأولى) أي وليك الويل، وأصله أولاك الله ما تكرهه، واللام مزيدة كما في - ردف لكم - وهذا تهديد شديد،